في هذه الأيام لا يعلوا صوت على صوت بعض الغربان والتي أزعجتنا بنعيقها وهي تقول أن عبد المجيد تبون هو منقذ البلاد ومحارب الفساد وهو من سيجفف منابع الفساد فنقول لهم هل ستكون لدى السيد تبون الشجاعة السياسية والأدبية لكي يتخذ الإجراءات المناسبة كوزير أول في حق جنرالات مؤسسة الجيش عندما سنخبره مثلا بأن 35% من إنتاج الجزائر من الوقود يضيع ويهرب عبر الحدود إلى تونس والمغرب بواسطة مافيات تتبع لهؤلاء الجنرالات ؟؟ نعم انه من السهل الحديث عن محاربة الفساد عندما يتعلق الأمر بالأشخاص العاديين الذين لا حماية لهم كالحلابة الذين يعتمدون على تهريب الوقود على متن سيارات ودواب عبر منافذ حدودية أولئك الذين تضحي بهم السلطة القضائية عندما يحتاج الأمر إلى أكباش فداء لنحرها على المذبح لكي يهدأ الشعب.
غير أن الأصعب في هذه الحرب (المسرحية) التي يسوق لها وعلى أن السيد تبون يريد خوضها هو النفاذ إلى قلاع الفساد التي يلوذ بأسوارها العالية كبار أطر الدولة والقضاء والجيش والدرك والأمن.. هؤلاء الذين لا يسري عليهم قانون الشغل أو الضرائب مع أنهم حماة هذه القوانين والساهرون على احترامها إننا نتحدى الوزير الأول ومعه مدير الضرائب أن يجرؤ على إرسال مفتشيه إلى شركات ومصانع أبناء الجنرالات وزوجاتهم كما نتحدى أي مفتش من مفتشي الشغل أن يتجرأ على الاقتراب من شركات ومصانع ومحلات أبناء هؤلاء المحميين لكي يفتش سجلاتهم ووثائقهم ويتأكد من احترامهم لقوانين الشغل وحقوق المستخدمين فكثيرون جربوا وتعرضوا للطرد المهين من طرف حراس هؤلاء المحميين الذين يعتبرون أنفسهم غير مدينين للدولة بأي واجبات. إن المؤسسات المالية والإدارات العمومية الرسمية تعرف عناوين هذه الشركات والمصانع والمقالع التي يستغلها كبار رجالات الجيش والدرك والأمن والمطافئ والذين يشتغلون خارج المراقبة القانونية ويحتكرون الصفقات المجزية مع المؤسسات التي يشرفون على تسييرها متخفين وراء شركات وهمية مسجلة في أسماء الأهل والأحباب وبما أن قطاعات الجيش والأمن والمطافئ تعتبر من أكبر القطاعات التي تحتاج إلى معدات ووسائل عمل باهظة الثمن فإن الصفقات التي تعقدها هذه المؤسسات التي لا تخضع للمراقبة البرلمانية تكون بمئات الملايير من الدنانير وهذه الصفقات تمر بسرية تامة بدون طلبات عروض لكي تستقر في الشركات نفسها التي توجد في ملكية أبناء وبنات هؤلاء النافذين ذوي النياشين.
ولعل أكبر دليل على أن هؤلاء الجنرالات والكولونيلات والضباط وأبنائهم لا تسري عليهم القوانين الجزائرية هو ما وقع في ملف احد أبناء الجنرالات الكبار و الذي تورط في عملية نصب على ثلاثة بنوك للحصول على قروض بمئات الملايين بعدما زور تواقيع وأختام مؤسسة الجيش وعندما اشتكت البنوك إلى القضاء تم طمس القضية وكأن شيء لم يكن إن أكبر المستفيدين من الفساد اقتصادي في الجزائر هم كبار موظفي هذه المؤسسات التي تخيف نياشين قادتها مفتشي الضرائب والشغل وتحظى مؤسساتهم بالحصانة التي تجنب صفقاتهم مراقبة القضاء ومحاسبة البرلمان وإذا كان السيد تبون الذي استفاد بدوره من الفساد وحصل على أموال كبيرة في قضية خليفة وفساد شقق عدل يريد فعلا محاربة اقتصاد الريع والفساد الاقتصادي والاحتكار فعليه أن يبدأ بهذه المؤسسات التي تحدثنا عنها لأن ما ينتظره الشعب الجزائري اليوم من عند من يحكمونه هو تحويل الكلام إلى أفعال لأن هذه الطريقة هي الوحيدة التي بإمكانها أن تمنح المواطنين الثقة في المستقبل.