إن عملية “تهريب” الثروات والأموال الجزائرية إلى البنوك الخارجية أدت إلى فقدان وضياع ادّخار وطني مهم كان سينفع العباد والبلاد أما الان فهو يُوَظَّف في الخارج في استثمارات خارجية، الأمر الذي يضيع على البلاد إمكانية الاستفادة من ثروات وأموال مواطنيها في إقامة مشاريع استثمارية تعود بالنفع والفائدة على المجتمع. ومن جهتهم اعتبر العديد من المحللين المختصين في الماليات، بأن الجزائر تفقد ملايير الدولارات كل سنة من جراء تهريب الأموال إلى الخارج بطريقة غير مشروعة طيلة عقدين من الزمن، وأن الأرقام تتحدث عن حوالي 1000 مليار دولار أضاعتها البلاد خلال 25 عاما من 1990 إلى حدود 2015. وعزا الخبراء تهجير المسؤولين و الأغنياء الجزائريين لثرواتهم من أجل تكديسها في أرصدة بنكية في سويسرا خاصة إلى عدم اطمئنانهم الداخلي في ما يخص متانة الوضع المستقبلي لاقتصاد البلاد، علاوة على تهربهم من عدد من القيود التي يرون أنها تكبل حرية تنقيل وحركية أموالهم.
كشف تقرير أصدرته مؤسسة بوسطن الاستشارية الأمريكية أن أكثر من 40 في المائة من الثروات التي تمتلكها الأسر الغنية في الجزائر توجد أساسا في حسابات خاصة في بنوك سويسرا وبريطانيا، لتحتل الجزائر بذلك الرتبة الأولى في شمال إفريقيا في ما يخص تهجير الثروات. وأوضحت الدراسة، التي أجرتها الشركة الاستشارية عن الثروات المالية العالمية خلال سنة 2015، أن الجزائر تتبوأ رتبة متقدمة بين الدول العربية في مجال تمركز أموال أغنيائها في البنوك الأوربية بعد الكويت والإمارات والبحرين ولبنان واعتمدت الدراسة في نتائجها المنشورة على معطيات ترتبط بصناعة إدارة الثروات العالمية، والحجم الحالي للأسواق المالية، وحجم الثروات والأصول الموجودة في الخارج، فضلا عن مستويات نتائج المؤسسات الرائدة. وأرجع الخبراء للإحصاء والاقتصاد التطبيقي أن أسباب النزوع نحو تهجير الثروات والأموال الجزائرية إلى الخارج بكون مجموعة من الأثرياء يقومون بفتح حسابات بنكية في البنوك الأجنبية، خصوصا الذين كانت لديهم تصورات معينة ترتبط بالتخوف من مستقبل البلاد، وذلك قبل 15 أو 20 عاما. أما السبب الثاني الذي يمكن أن يفسر وضع عدد من الجزائريين أموالهم في المصارف الأوربية يتجلى في أن تحويلات الجزائريين إلى الخارج مُقننة وفق قوانين مكتب الصرف الذي ينظم مثل هذه العمليات المالية في البلاد. وأوضح الخبراء أن تقنين التحويلات المالية إلى الخارج، بخلاف دول أخرى تمتلك حرية أكبر في تحويل الأموال، دفع بأعداد من الجزائريين إلى امتلاك أرصدة مالية في البنوك الأوربية إما بطريقة مباشرة أو عن طريق التحويلات، وذلك لعدة غايات منها توفير ظروف التطبيب أو الدراسة أو للسياحة أيضا.
إن الطريقة التي يتبعها مسؤولو البلاد وأغنيائها في تهريب أموال الشعب إلى الخارج تتم بطرق مختلفة، منها إنشاؤهم لمؤسسات وشركات وهمية في الخارج تتيح لهم تحويل أموالهم وثرواتهم وتهريبها دون أن تطالهم يد القانون، زائد أن سلطات الجمارك لا تقوم بدورها المنوط بها لأنها تحتجز سوى الجزء اليسير والظاهر من رؤوس الأموال المُهربة. وسبق لتقرير أصدرته “هيئة النزاهة المالية العالمية” أن أشار إلى كون التهرب الضريبي يشكل أغلبية رؤوس الأموال الجزائرية المُهربة، بنسبة تتراوح بين 60 و65 في المائة من 1000 مليار دولار التي أخرجها مسؤولو و أثرياء البلاد ليكدسوها في البنوك السويسرية والبريطانية وغيرهما. وسجل التقرير ذاته بأن الأموال المهربة من طرف أغنياء الجزائر كانت تكفي لتجعل البلاد في مصاف الدول المتقدمة أو لتشييد مئات المدارس والمستشفيات، موضحا أن نمو تهريب الأموال يُعزى أساسا إلى “التواطؤ السلبي للبلدان الغربية عن طريق نظام مالي غير شفاف يدافع عن السر البنكي، وأيضا إلى غض الطرف عن وجود شركات وهمية وحسابات مصرفية مجهولة من طرف الحكومة نفسها والتي تضم مهربين كبار داخلها.