انتهت امتحانات الباكالوريا بما لها وما عليها مخلّفة استياء كبيرا لدى المهتمين بالشأن التربوي نظرا لما تم تسجيله من حالات الغش حسب الوزارة المسؤولة. فقد أصبحت ظاهرة الغش في الامتحانات محل اهتمام كبير لكثير من الباحثين في المجال السوسيولوجي، والنفسي، والتربوي، والديني لدق ناقوس الخطر المحدق بالقضية ولمحاولة إيجاد حلول للظاهرة المؤرّقة للرأي العام الوطني. والسؤال الذي ينبغي أن يطرح بكل إلحاح هنا هو كيف تسربت ظاهرة الغشّ في الامتحانات للمجتمع الجزائري.
في السابق كان المواطنون ، بما فيهم الأطر التربوية، يعتبرون الغش في إمتحانات الباكالوريا شيء عادي، إلى أن أصبح من بين التجاوزات التي يغض عليها الطرف باسم مصلحة الوطن، ولا يخفى على أحد ، بأن بعض التلاميذ قد وصلت بهم الوقاحة إلى حد إدخال أسلحة بيضاء إلى قاعات الإمتحان و تهديد المراقبين من أجل إرغامهم على عدم تشديد المراقبة و السماح للمترشحين بالغش، ما يجعل هؤلاء مرغمين على السكوت خصوصا وأن القانون لم يكن باستطاعته آنذاك حمايتهم في ظل التسيب الذي كانت يعيش على وقعه النظام التعليمي، بل أن بعضهم كان يتلقى تحذيرات من زملائه تحثهم على تجنب الدخول في صراعات مع المترشحين حتى لا يتم الإعتداء عليهم فيما بعد، والكل كان يعلم أن الحق لم يكن يعطى لأصحابه آنذاك.
فلا شك أن الغش ظاهرة خطيرة و سلوك مشين و الغش له صور متعددة و أشكالا متنوعة ابتداء من غش الحاكم لرعيته و مرورا بغش الأب لأهل بيته و انتهاء بغش الخادم في عمله. و حديثي سوف يكون فقط عن الغش في الامتحانات و الذي أصبح يشكو كثير من المدرسين و التربويين من انتشاره. و هذا حق، فان ظاهرة الغش بدأت تأخذ في الانتشار، ليس على مستوى المراحل الابتدائية فحسب بل تجاوزتها إلى الثانوية و الجامعة.
الغش كما قلنا له أشكال متعددة و يدخل في مجالات شتى و لكن من أخطر أنواع الغش هو الغش في الأمور التعليمة و ذلك لعظيم أثره و شره و من ذلك أنه سبب لتأخر الأمة و عدم تقدمها و عدم رقيها و ذلك لأن الأمم لا تتقدم إلا بالعلم و بالشباب المتعلم ، فإذا كان شبابها لا يحصل على الشهادات العلمية إلا بالغش فقل لي برأيك ماذا سوف ينتج لنا هؤلاء الطلبة الغشاشون ؟ ما هو الهم الذي يحمله الواحد منهم ؟ ما هو الدور الذي سيقوم به في بناء الأمة ؟ لا شيء بل غاية همهم هي وظيفة بتلك الشهادة المزورة يأكلون منها قوتهم و رزقهم. لا هم لهم في تقديم شيء ينفع الأمة أو حتى يفكرون في ذلك. و هكذا تبقى الأمة لا تتقدم بسبب أولئك الغشاشين. وفي نظرة تأمل للواقع نرى ذلك واضحا جليا فعدد الطلاب المتخرجين في كل عام بالآلاف و لكن قل بربك من منهم يخترع لنا أو يكتشف أو يقدم مشروعا نافعا للأمة قلة قليلة لا تكاد تذكر. ثم الغاش غدا سيتولى منصبا أو يكون معلما و بالتالي سوف يمارس غشه للأمة بل ربما علّم طلابه الغش. ثم أن الذي يغش سوف يرتكب عدة مخالفات إضافة إلى جريمة الغش منها السرقة و الخداع و الكذب و أعظمها الاستهانة بالله و ترك الإخلاص و ترك التوكل على الله وفي أخير هؤلاء هم من يكون لهم الحظ في اشتغال بمناصب المسؤولية ومن ثم يسرقون البلد لان أساس البلاد مغشوش .