لم أرى أغبى من العرب فلم يستفيدوا من خطئهم مع العراق حينما تم التحالف ضد النظام العراقي وإضعافه مما جعل العراق لقمة سائغة بالنسبة للوحش الفارسي ولم يسمعوا نصائح الشهيد صدام حسين عندما وقف قبل عشر سنوات بالتمام والكمال أمام حبل المشنقة شامخا مرفوع الرأس دون أي خوف أو رهبة، ورافضا إغماء عينية و صرخ بأعلى صوته “تحيا الأمة العربية”، و”عاشت فلسطين عربية حرة”، وهي كلمات تلخص الأسباب التي أدت إلى إعدامه، وتمزيق العراق وسورية ومعظم الدول الأخرى الفاعلة في المنطقة، وتتنبأ بالحال الراهن الذي وصلت إليه المنطقة بفعل التدخلات الأمريكية المباشرة (زيارة ترامب الأخيرة للمنطقة) أو غير المباشرة في المنطقة. لم يكن من قبيل الصدفة أن تتركز المؤامرة الأمريكية الغربية الايرانية على الخليج وتبدأ بالعراق، وتتوج بإسقاط نظامه واحتلاله وحل جيشه وجميع مؤسساته المنية، وتقسيمه على أسس طائفية وعرقية، فالعراق كان مؤهلا لقيادة مشروع نهضوي عربي يحقق التوازن مع المشاريع الأخرى، الايرانية والتركية والإسرائيلية، لما يملكه من مصادر قوة وإمكانيات مادية وبشرية وجذور حضارية تمتد لأكثر من ثمانية آلاف عام.
تشهد منطقة الشرق الأوسط عموما والمنطقة الخليجية خصوصا سباقا محموما لرسم مسرح جديد للعمليات، حيث تجري الاستعدادات على قدم وساق لترتيب وتهيئة خارطة جديدة للمنطقة والتأسيس لسياق ونمط جديد من الصراعات تكون فيه خطوط التقسيم قائمة على أسس دينية وطائفية وعرقية بدلا من الصراعات الأيديولوجية التي سادت حقبة الحرب الباردة. ومنذ عام تقريبا تشهد المنطقة بصورة درامية لا يمكن أن نعزوها للصدفة انهيار أسعار النفط وصراعات داخلية في جميع الأسر الحاكمة في الخليج وتركيا التي تحث الخطى لاستعادة مجالها الحيوي القديم بعد أن أغلقت بوجهها أبواب الاتحاد الأوربي الذي أصبح أكثر مسيحية من أن يقبل في عضويته دولة إسلامية. في المقابل تتحشد أطراف أخرى تتزعمها إيران التي تعمل على إقامة إمبراطورية، يكون الخليج العربي فيها بحيرة فارسية تحيط بها شعوب تؤمن بولاية الفقيه.
دفعت حمى هذه التطورات والاستعدادات ملف الصراع القطري الخليجي مرة أخرى إلى السطح، فموقع دول الخليج في خارطة الصراع الجديدة سيكون هو خط الجبهة الأول والساتر الأمامي الذي يفصل بين محاور الصراع، لعدة اعتبارات لعل في مقدمتها موقعه دوله الجغرافي الذي يمتد مع إيران بحرا وبرا، وكذلك خاصيته الديمغرافية المركبة والتي تم إنضاجها تحت احتلال اليد العاملة (الهند النبال …) ، حيث سيتم تقسيم دول الخليج على أسس طائفية وعنصرية لكي تنسجم في المحصلة النهائية مع ما يجري إعداده على مستوى المنطقة برمتها. وستكون مخرجات ونتائج الصراع الحالي بين دول الخليج بمثابة مدخلات وبيضة القبان لترجيح كفة ميزان هذا الطرف أو ذاك، فلم يعد الوضع في دول الخليج والمفتوح على كافة الاحتمالات شأنا محليا خاصا بالخليج بقدر ما هو شأن عربي وإقليمي ودولي. وتعد تصريحات قادة الحرس الثوري الإيراني لدعم قطر في صراعها مع إخوتها استعراض للعضلات و يبين الهيمنة الإيرانية في المنطقة أما الرد التركي المباشر في أن تركيا لن تقف مكتوفة اليدين تجاه ما يجري في الخليج، بمثابة إيذان وتدشين لولوج دول الخليج حقبة النفوذ الإيراني والتنافس التركي لا سيما بعد صعود ترامب للحكم في أمريكا، حيث ستقاتل إيران والغرب وأميركا وتركيا على الكعكة الخليجية.
من الواضح أن خيارات دول الخليج أصبحت محدودة مقارنة بالنفوذ الإيراني الواسع والدور التركي المتنامي،وفي ظل صخب مسرحية ترامب بقرع طبول الحرب، لذلك على صناع القرار العرب أن لا يتوهموا أن هذه الطبول قد تسفر عن ضرب إيران عسكريا، لأنه بهذا الصدد تجدر الإشارة إلى حقيقتين: الأولى أن بقاء إيران قوية بالحدود المطلوبة يعتبر حاجة إستراتيجية للسياسة الخارجية الأميركية التي تحتاج دائما إلى (صناعة عدو) كي يكون فزاعة لحلب أموال الخليج وتخويف أوروبا والسيطرة على الرأي العام الأميركي وتوجيهه، وبالتالي فإن ضرب إيران يعني غياب التهديد أما مسالة تقسيم دول الخليج فهي ضرورة ملحة.