منذ أيام والحديث عن الصراع بين جمال ولد عباس وأحمد أويحى، أو بين حزب جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي لم يتوقف ساعة واحدة، ليس في أوساط الطبقة السياسية أو المعنيين بالشأن الجزائري فحسب، وإنما شمل عامة الناس. أما التوقعات حول مصير هذا الصراع وما سينتهي إليه من نتائج وانعكاساتها على مجمل العملية السياسية، وبالتالي على معسكر الحركي، فقد اتسعت مساحة الصراع وارتفع سقفها ليصل حد كبير من الأوهام والخيال. فمنهم من وصفه بأن أحمد أويحى سيطيح بجمال ولد عباس وحزبه جراء القصف الناري الذي أصدره والذي قال فيه أن هناك أحزاب أصبحت تتحدث باسم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتنسب الثورة لها في إشارة منه لخطابات غريمه السياسي في حزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس خلال حملته الانتخابية. في حين أن ولد عباس لمح بطريقة غير مباشرة أن أحمد أويحى و حزبه، خفافيش ظلام خربوا البلاد والعباد وفسحوا المجال لمذاهب جديدة (الأحمدية واثنى عشرية) بالدخول للبلاد ولإيران بالهيمنة على البلاد ومقدراته،. و لا زال الحديث والجدال مستمرا وبشدة حتى كتابة هذه السطور، بل أصبح هذا الموضوع الشغل الشاغل لبعض المغيبين أو الموضوع الأكثر أهمية من بقية المواضيع الأخرى. في حين أن هذا ليس سوى صراع مفبرك وصناعة فرنسية (الحركي) مستهلكة لها أهداف وأغراض محددة.
أصل الحكاية، أن الحركي عادة ما يلجأ إلى استحضار هذه الوسيلة أو الصناعة الجاهزة كلما واجه مشكلة أو وقع في مأزق (مثلا صحة الرئيس) أو تزايد حجم الاستياء الشعبي ضده (أسعار الخضر والفواكه)، مثلما يلجأ إليها كلما أراد تحقيق هدف يصعب تحقيقه، أو تمريره في جنح الظلام، أي من دون مواجهة شعبية محدودة أو شامله. وذلك لكونها أداة تشغل الناس وتحرف الأنظار وتقلل الاهتمام بالشؤون الأخرى حتى إذا كانت مهمة. ويزداد تأثير هذه الوسيلة في الحالات التي يجد المرء نفسه غير قادر على التأثير، فيرى في مثل هذه الصراعات الأمل الذي يبحث عنه. في حين تستخدم هذه الوسيلة أيضا في عملية الخداع والتضليل لإقناع الناس بصحة أو مصداقية ما يقوم به نظام الحركي من خطوات لتكريس حكمه، مثل بناء النظام الديمقراطي، حيث الصراع هنا بين الكتل والأحزاب داخل البرلمان دليل قاطع، كما يدعون، على الديمقراطية التي ينعم بها الشعب الجزائري !! بعد العشرية السوداء أو أن الصراع ما بين الأحزاب، دليل على استقلال القرار السياسي.
ثمة أمر أخر ذا أهمية متعلق بهذه المسالة لا يجوز إغفاله. فاختيار الحركي لجمال ولد عباس وأحمد أويحى لأداء هذه المهمة كان مقصودا ومدروسا، كونهما الأكثر قدرة على أداء المهمة بنجاح، حسب وجهة نظر الحركي، لما يتمتعان به من ثقل كبير داخل العملية السياسية، أو كونهما يشكلان، كما يقال، قطبي الرحى لهذه العملية السيئة الصيت والسمعة. وبالتالي فان الصراع بينهما يكون أكثر إثارة من بقية الصراعات التي تدور بين الآخرين، ولتحقيق مزيد من النجاح وتشجيع الناس على الاشتراك في هذا الصراع ما بين مؤيد لهذا الطرف أو ذاك، أضفى الحركي زُوراٌ الطابع الوطني على هذا الصراع، حيث مل الناس الصراعات التي تدور حول المكاسب أو المناصب والوزارات.فكل ما كان دورك في المسرحية كبير كلما كان حصتك من كعكة الوطن كبير فهنيئاً لجمال ولد عباس وأحمد أويحى.