جاءت الألفية الثالثة، وتضاعفت الأسعار، وانتشر الفساد، وتكونت طبقة من الأثرياء كونوا ثرواتهم غالبا عن طريق نهب خيرات البلاد والسمسرة، وانتهى المشروع القومي للجزائريين، فتحولوا من أمة متوحدة ذهنيا ونفسيا إلى مجموعة من السكان لا يجمعهم سوى التجاور في المكان، بينما يسعى كل منهم إلى مشروعه الخاص. تعلم الجزائري أن يهتم بشؤون أسرته فقط ووطد نفسه على أن رأيه بلا قيمة، لأن النظام سينفذ دائما ما يريده بغض النظر عن موافقته أو اعتراضه.
أصبح المواطن يقاتل بضراوة حتى ينفق على تعليم أولاده الذين ما إن يتخرجوا من الجامعة حتى ينضموا إلى الطوابير الطويلة أمام السفارات الأوربية بحثا عن عقد عمل بعد أن أعلنت الدولة بوضوح أنها ليست ملزمة بتعيين الخريجين. فتحت حكم الحركي تحولت الدولة من كائن معنوي وظيفته توفير احتياجات المواطنين إلى سلطة مستبدة تستأثر بالحكم بواسطة القمع وتزوير الانتخابات، وقد أدارت ظهرها لملايين الفقراء وتركتهم يواجهون مصيرهم وحدهم. لا علاج ولا تعليم ولا عمل ولا مسكن لائق. إذا أردت أن تشاهد مثالا لجرائم الحركي ما عليك إلا أن تقود سيارتك وتذهب إلى أحياء الهامشية لتجد أسرا كاملة تعيش وتربى أولادها في أماكن لا تليق بالحيوان فما بالك البشر.
ملايين الجزائريين يعيشون فى الفقر منذ عقود. فبعد 50 عاما من حكم الحركي تحولت الجزائر إلى بلدين منفصلين متناقضين فى كل شىء، لكنهما يحملان نفس الاسم، جزائر الحركي شعبها تراهم في كل من سيدي يحيى وباب الزوار والشراڤة والأبيار وبن عكنون، ودالي ابراهيم، وشارع ديدوش مراد ….. حيث يعيش هؤلاء الأغنياء فى قصور ويركبون أفخر السيارات ويقتنى كثيرون منهم الطائرات الخاصة، هؤلاء لا يحتاجون إلى الدولة إلا عندما يريدون سرقت خيراتها، فهم يعالجون في الخارج إذا مرضوا ويلحقون أبناءهم بمدارس وجامعات خاصة أجنبية مصاريفها باهظة. أما الجزائر الأخرى المنسية الغارقة في الظلام فيعيش فيها أكثر من نصف الشعب، ملايين الفقراء متروكون في العراء تتعامل معهم السلطة كأنهم طائفة المنبوذين: لا تقدم لهم وظائف ولا علاجا ولا تعليما حقيقيا، حياة هؤلاء أو موتهم لا يعنى السلطة في شيء، هؤلاء يصيبهم الفشل الكلوي والسرطان من تلوث الماء والطعام، وإذا ذهبوا للعلاج فى المستشفيات العامة سيموتون من الإهمال، أما المستشفيات الخاصة فلن تقبل علاجهم أبدا مهما كانت حالتهم خطيرة قبل أن يودعوا آلاف الدينارات في خزينة المستشفى. هؤلاء تزدحم بهم دائما قطارات الدرجة الثالثة وتغرق بهم قوارب الموت أثناء محاولاتهم المستميتة للفرار من الوطن، بينما السلطة تتفرج عليهم وتعتبر قتل الآلاف منهم مجرد أحداث مؤسفة.
يا من تسكنون في أعلى الم تسمعوا مند سنين أنين أطفالنا الرضع بسبب لقاحاتكم الفاسدة ألم تسمعوا صراخ المظلومين في السجون ألم تسمعوا بكاء أمهاتنا على مستقبل أولادهم أفلا تخجلون من أنفسكم وانتم تطالبوننا بأن نسمعكم صوتنا .