مازالت الساحة الإعلامية و السياسية تجتر قضية ما بات يعرف بالمكمل الغذائي “رحمة ربي” ، و لا ندري ما الهدف المبطن من إثارة هذه القضية في هذا الوقت بالذات؟ و ما هي الأشياء التي تمر مع هذه الزوبعة التي أثارت الكثيرة من المداد، و قيل عنها ما لم يقله أبو نواس في الخمر؟، قضية لا تستحق هذه الهالة، و هذا التفاعل و الانفعال، من يوجه هذا النقاش العمومي؟ أليست هناك أدوية أكثر إثارة للجدل من المكمل الغذائي “رحمة ربي”؟ أليست هناك مشاكل بالجملة يعرفها قطاع الصحة ببلادنا تستحق مثل هذه المواقف الإعلامية و السياسية؟
حال مستشفياتنا و واقعها و السياسة الصحية المنتهجة هو الذي يحتاج لهذه النقاشات التي غابت في أوقات احتاج المواطن الجزائري البسيط و لو موقفا واحدا يعزيه في صحته التي تذهب تدريجيا أدراج الريح بين مستشفيات تغيب عنها أبسط وسائل التطبيب و العلاج، و أدوية محرمة عن فقراء هذا الوطن تحت ذريعة العوز و الفقر، مواطن لا يفقه شيئا في وصفات تقوده لأدوية لا يعرف مصدرها و فاعليتها، فهل اليوم نجبر هذا المواطن البسيط عن فهم مكمل غذائي أصبح الكل فيه “سيدي الفاهم”، أين غابت هذه “الفهامة” عندما يرتبط الأمر بالنظام و السياسات الاقتصادية و الاجتماعية ؟ أم أن الألسن أُخْرست قهرا عن قضايا المواطن البسيط و تم إطلاق عنانها أمام مرمى”رحمة ربي”؟ أم لأن صاحب المكمل الغذائي مواطن جزائري بسيط ليس له امتدادات علائقية مع خيوط لعبة يمسك زمامها أولياء الأمور!!!
قضية المكمل الغذائي “رحمة ربي” سيصبح أداة لتصفيات سياسية ضيقة و يحيد النقاش عن مساره الطبيعي، بالأمس خرجت الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، لتلعب ورقة سياسية من خلال وضع وزير الصحة عبد المالك بوضياف في قفص الاتهام، حيث اتهمته بالمشاركة في “جريمة المشعوذ زعبيط “، وطالبت رئيس الجمهورية بالسحب الفوري لمشروع قانون الصحة من البرلمان، وإقالة الوزير لأن الذي شجّع “مشعوذا على تهديد حياة المرضى لا يمكنه تسيير القطاع” .
و ذهبت حنون أبعد من ذلك عندما أكدت أن الوزير بوضياف يعرف “المشعوذ زعبيط منذ 2005″، وهو الذي يقف وراء الترويج لـ “سمّه المسمى زورا دواء أو مكملا غذائيا “، واعتبرت أنه شريك في هذه الجريمة التي تستهدف الفئات المنجرحة وتوظيف الدين لأغراض نفعية .
لا يمكن تصنيف هذا النقاش الذي وصل صداه لقبة البرلمان سياسيا، لكونه يفتقر لأدبيات الخطاب السياسي المتزن، فدور المعارضة ليس التهجم على مكمل غذائي أو على صاحبه، لكن دورها أبعد من ذلك بكثير، فعوض فتح ملفات الصحة و المستشفيات و الأدوية و ما أكثرها، تخرج لنا من زاوية حادة لتفرغ طلقاتها النارية في الهواء في مشهد سياسي بئيس أحادي الوجهة و النظر، و المواطن البسيط تحت رحمة ربي.