و مشيت نحو المختبر كي أعرف النتيجة، و بفضل الله بشروني بأني أستطيع التبرع و بدؤوا بتجهيزي للعملية .. و تملكني الخوف .. الخوف من الموت و الخوف من عدم نجاح العملية .. بدأت في ترديد كل الأدعية و الآيات التي أحفظها،ثم غبت عن الوعي ..
استيقظت أخيرا .. لم أكن أعلم هل مرت لحظات أم ساعات أم أيام، بدأت الرؤية تتضح شيئا فشيئا و لم يكن هناك سوى البياض .. جدار أبيض و ستائر بيضاء و باب أبيض .. لكني كنت أحس الألم بكل جسدي، بدأت أصرخ بصوت مبحوح فجاءت إحدى الممرضات .. أخبرتها عن كم الألم الذي أحسه به فوضعت بالمحلول شيئا ما خفف الألم شيئا ما، ثم أطلت ليلى و معها أحمد ..
– كيف حالك يا ريم ؟
– الحمد لله .. كيف .. كيف حاله هو؟ أهو بخير ؟ ها ؟
– لا تتكلمي كثيرا ريم .. نعم بخير ، نجحت العملية و الحمد لله .. المهم أن تكوني بخير ..
– شكرا لك يا ريم، بصراحة لم أصدق التضحية التي أقدمت عليها حينما أخبرتني ليلى .. أنت حقا فتاة صالحة ..أنا ممتن لك ..
– أنا .. أنا لم أفعل شيئا ..
– لا تتكلمي كثيرا يا حبيبتي، فأنت مازلت مريضة ..
– أ.. أريد أن أراه، أريد أن أطمئن عليه ..
– هل جننت؟ لقد أفقت للتو .. ارتاحي و سترينه فيما بعد ..
– سأرتاح حين أراه ..
– كلميه في الهاتف .. سأجعلك تكلمينه في الهاتف، لأنه لا يمكنك التحرك من مكانك و لا هو يستطيع أيضا ..
– حسنا .. حسنا ..
– أأنت واثق يا أحمد ؟ أخشى أن .. لقد أفاقت للتو .. و ..
– دعوني أكلمه .. أرجوكم ..
أمسكت الهاتف و آثار المخدر مازالت ظاهرة علي،لكن لم أكن أريد من الدنيا حينها سوى أن أسمع صوته و أعلم أنه بخير ..
– إياد ..
– إياد نائم ..
– أريد أن أكلمه من فضلك ..
– إنه نائم ..ألا تفهمين ؟ أعيدي الاتصال لاحقا..
و قطع الاتصال .. أغاظتني السمراء بشدة بردها هذا .. التفت نحو ليلى و أخبرتها أنه نائم ففهمت ما في الأمر ثم اعتذرت كي تذهب لأنها تركت يسرى رفقة جدتي، و عليها الذهاب لتفقدها .. و بقيت وحدي أعض الأنامل من الغيظ من فعلة تلك السمراء ..
مر الوقت علي ثقيلا، و أنا ما بين صحو و نوم لا أدري كم من الزمن قد فات ، و تعبت من الانتظار.. دخلت ليلى من جديد لتطمئن علي، ليتها تعلم أن العملية لا توجعني، الجرح سيلتئم و سأصبح بخير لكني أكاد أموت قلقا عليه .. مسحت على رأسي بحنان و أدخل خصلات شعري للحجاب ثم قالت لي مبتسمة ..
– أصبحت أجمل بكثير بالحجاب ..
اكتفيت أن أبتسم بدوري دون أن أنطق بكلمة، ثم سألتها بقلق ..
– أنت لم تخبري أحدا، أليس كذلك ؟
– لم أخبر أحد يا ريم .. لكن يجب أن نخبرهم ، إنهم أهلك يا ريم ..
– أمي ببيروت يا ليلى، و والدي يسكن بمدينة أخرى و لا أعلم إن كان سيكلف نفسه عناء المجيء للاطمئنان علي حتى .. و جدتي .. جدتي مريضة و لا طاقة لها بكل هذا .. سأكون بخير فلم أقلقهم علي .. فلتسألي الطبيب متى سأخرج من فضلك ..
– كما تريدين يا ريم، و لو أن جدتك ستغضب مني كثيرا ..
– ماذا عن .. ماذا عن إياد .. كيف حاله ؟
– بخير و الحمد لله، إنه يتحسن ..
أطلقت تنهيدية ارتياح ثم سألت بخجل ..
– ألم .. ألم يسأل .. عني ؟
– هو لا يعلم .. نحن لم نخبره بعد أنك من تبرعت له .. أحمد قال أنه سيرفض لو علم أنك المتبرعة فأخبره أن المتبرع مجهول، كما أننا لو أخبرناه الآن قد يتعب .. أنت تعرفين إياد .. عندما استيقظ سأل عمن أحضره إلى هنا وحكينا له، لكنه لم يقل شيئا منذ ذلك الحين .. تعلمين .. مع وجود سارة ..و ..
– لا بأس .. فهمت ..
– سأتركك لترتاحي قليلا، أراك غدا ..
– شكرا يا ليلى .. اتعبتك معي ..
– هل تمزحين ؟ بل نحن من نشكرك .. لولاك لربما ..
صحت بخوف ..
– إياك أن تنطقيها ..
– معك حق .. الحمد لله .. في حفظ الله يا حبيبتي
– في حفظ الله ..
زددت غضبا بعد ما قالته ليلى .. و ازددت قلقا أيضا، كلما طمأنتني عليه كلما راودني القلق أكثر .. ماذا لو كانوا يكذبون علي كي لا أتعب أكثر، ماذا لو لم يكن بخير ..لن أنتظر حتى تمن علي السمراء بمكالمة قصيرة كي أطمئن عليه ، علي أن أفعل شيئا .. سأذهب لرؤيته، قمت بصعوبة من السرير و أنا أجر ورائي المحاليل المعلقة .. و مضيت أقاوم التعب بحثا عن غرفته .. وجدتها أخيرا و لمحته من وراء النافذة الزجاجية جالسا و السمراء قربه .. كان يبدو بخير، كان فعلا بخير كما قالت ليلى، يبدو أنه يتشافى .. سعدت بهذا و اكتفيت به و كنت سأعود لغرفتي بسرعة قبل أن ينال مني التعب، غير أنها رأتني و جاءت نحوي ثم قالت بنفس النبرة التي كانت تكلمني بها في كل مرة ..
– إياك أن تظني أنك بتبرعك له سترغمينه على الزواج منك .. أنت تحلمين ..
حملقت فيها ثم قلت مستنكرة ..
– سامحك الله ..
– مثلي عليهم كما تريدين ..أما أنا فأفهم لعبتك الحقيرة جيدا، و لن ينفعك هذا معي ..
هتفت بضيق ..
– لم آتي هنا للشجار معك، أفهمت ؟
– و لم جئت إذا ؟ للاطمئنان على حبيب القلب ؟ لن يكون لك .. أبدا ..
– يبدو أنه يستحيل الحوار معك ..
– و تحجبت .. ما شاء الله، أنت ماكرة حقا، أتظنين أن تمثيل دور الطاهرة البريئة سيجعله يتزوجك ..
و لم أشعر بنفسي إلا و قد هويت على الأرض من شدة التعب، و أسرعت ممرضة نحوي بكرسي متحرك و حملتني عليه إلى غرفتي و هي توبخني بكلام لم أعي منه كلمة ، إذ كان دمي كله يغلي .. و جلست بغرفتي أبكي بشدة من وقاحتها، كيف تزوج إياد تلك .. كيف أحبها .. أيحبها ؟ أينبض قلبه لها ؟ كيف .. إنها .. إنها لا تشبهني في شيء .. هل يعقل أن يحب إياد بعدي .. و أن يحب مثلها ..
سمع صوته الحنون يناديني، فظننت أني أتخيل .. ثم التفت لأراه جالسا على كرسيه المتحرك قربي ..
– ما الذي تفعله هنا ؟ ستتعب .. عد إلى غرفتك ..
– أنا بخير ..
– حقا ؟
– نعم الحمد لله .. ما الذي فعلته بنفسك؟ أجننت ؟
– بل أنت المجنون .. لم لم تخبرني أنك مريض ؟
– و لم أخبرك ؟
– آه .. معك حق، لم تخبرني .. من أنا حتى تخبرني ..
– لم أقصد .. لكن .. لم أرد أن تقلقي علي .. كيف أقدمت على مثل هذا التصرف الأحمق .. كيف عرضت نفسك و حياتك للخطر من أجلي ؟
رفعت حاجبي بسخرية ثم قلت ..
– أتريد حقا جوابا على هذا السؤال ؟
– ريم .. ما كنت لأسامح نفسي أبدا لو وقع لك أي مكروه .. و ما كانت حياتي لتساوي شيئا لو ..
– لم يحدث شيء بفضل الله …أنا بخير ..
– أيتها المجنونة .. كنت تقيمين الدنيا و تقعدينها حين أحدثك عن تضحية المرأة من أجل عائلتها و ها أنت الآن تضحين بحياتك من أجلي ..
قلت مباشرة ..
– لأنك كنت يوما ما عائلتي بأكلمها .. كما أنني تغيرت ..
– هذا واضح … تبدين مختلفة .. تبدين ..
– أكثر نقاء و طهرا ؟ قلها .. لن أغضب .. كان معك حق ..
– أنت جادة ؟
– نعم .. كنت محقا .. الحجاب جعلني أكثر نقاء و طهرا، و ندمت كثيرا لأن عنادي جعلني أدرك ذلك متأخرة ..
– لقد أدركت ذلك و هذا هو المهم .. الحمد لله ..
– شكرا لأنك كنت بطريقة ما سببا في ذلك ..
– أنا ؟ بل بالعكس .. أنا آسف جدا لأنه بسببي أدركت ذلك متأخرة .. كان علي أن أشرح لك بدل ..
– لا بأس .. الحمد لله ، كانت العمرة مفيدة جدا لي ..
– ذهبت للعمرة ؟
أجبت باسمة ..
– نعم .. قررت أن أذهب للعمرة بدل أن أنتظرها كهدية لن أحظى بها يوما ..
– هدية زواجنا .. آه .. ريم .. أنا حقا آسف ..
– آسف ؟
– عن كل ما فعلته بك .. أعلم أني ظلمتك كثيرا و ..
– لا داعي لهذا الكلام الآن .. أريد أن أرتاح قليلا .. لو سمحت
– آه طبعا .. أراك لاحقا …
كنت منهكة، و أحتاح حقا للراحة .. كما أني لا أريده أن يظن مثلها أني فعلت ما فعلته كي أجبره على الزواج مني .. أنا نسيت هذا الموضوع و يئست منه .. حاولت أن أنام قليلا لكن الألم كان يشتد، فناديت الممرضة فأخبرتني أن الطبيب سيأتي بعد قليل ..
حاولت أن أتحمل قليلا و أمسكت كتاب الله أقرأ فيه بعض الآيات حتى جاء الطبيب، كشف عني و على وجهه نظرات غريبة .. ثم بدأ يكلم الممرضة بكلام لم أفهم منه سوى كلمة مضاعفات، ففهمت أنه حصلت لي مضاعفات .. ثم التفت نحوي و قال بحزم :
– حالتك لم تعد مستقرة .. عليك أن ترتاحي جيدا .. ستعطيك الممرضة مخففا للآلام .. سأمر عليك في الغد
أومأت له بنعم، و قد تملكني الخوف ..و بدأت أفكر في إخبار أهلي .. اللهم رحمتك يا رب ..