تتكوّن الذاكرة عند الطفل منذ لحظة خروجه الى الحياة، فكيف اذا نفسّر قدرة الطفل على تذكّر رائحة أمّه منذ الأسبوع الأول، خصوصاً وإن تمّ إرضاعه طبيعياً. هذه القدرة على حفظ الذكريات تتطور مع الوقت، حتّى يصبح الرضيع قادراً في شهره الثاني على تذكر الأصوات المألوفة، والوجوه التي يراها بشكل متكرّر إلى جانب وجه أمّه. الى ان يصبح في عمر الـ9 أشهر، فيرفض عندها الإبتعاد عن أمه أو أبيه وملاحظة غيابهما، لأنّه يتذكّر وجودهما في وقت سابق إلى جانبه. ولكن بالرغم من تكوّن هذه الذكريات في سنّ مبكر كهذا، فلا يمكن للطفل ان يتذكّر أمراً حصل معه قبل مرحلة السنتين إلى 3 سنوات، فلماذا تختفي تلك الذكريات؟
عوامل فقدان الطفل الذكريات
كلّما كبر الطفل، كلما تباعدت الذكريات الأولى له، وانمحت بفعل ذكريات جديدة حتى يصل الى سن العاشرة عندما تتبلور ذكرياته. واكدت الدراسات، أن الذكريات الأولى للصغار تتغير بمرور الوقت لتحلّ محلها ذكريات أحدث حتى سن العاشرة، وبهذه الطريقة يفقد الطفل الذكريات التي كوّنها قبل سن المدرسة. واظهرت الدراسات ان الأحداث المرعبة، التي تمثل ضغوطاً نفسية هائلة على الأطفال تشكل نسبة صغيرة من الذكريات الأولى التي قام الصغار باسترجاعها في هذه الدراسة
دور الجانب الثقافي
العامل الثقافي يلعب دورا كبيرا في تكوين الذكريات الأولى للاطفال. فبحسب دراسة اجريت على مجموعتين من الأطفال الامركيين والصينيين، تبين أن الذكريات الأولى للأطفال الصينيين تتشكل عاماً أو عامين متأخرة عن الذكريات التي يكوّنها الأطفال الاميركيين. وهذا الامر يعود الى الثقافة الغربية التي تشجع على حوارات الاطفال مع الأبوين والمرتبطة بحالة الطفل وشخصيته، بينما المجتمع الصيني لا يشجع على الحديث عن الذات أو محاولة لفت انتباه الآخرين، بل يفضل الحديث عن أحداث في سياق الجماعة. من هنا تبرز اهمية حوار الامهات مع الاطفال، بعدما تبين ان الأطفال الذين يتلقون الكثير من الأسئلة عن خبراتهم ومشاعرهم الشخصية من أمهاتهم يكونون أكثر قدرة على تكوين مهارات الذاكرة في وقت مبكر