اعتمرت بفضل الله و بقيت ببيت الله ما شاء الله أن أبقى ثم عدت لغرفتي في الفندق، لم أنم سوى لساعتين حتى قررت أن أعود ثانية للكعبة، و وجدت نفسي بدون تفكير أضع الحجاب من جديد .. صليت من جديد لربي و دعوته أكثر و أكثر و بكيت حتى شعرت بالخطايا تنسل من كل أطرافي ، و في طريقي إلى غرفتي التقيت صديقة لم أرها منذ سنين .. عانقتني بشدة ثم قالت لي ..
– كيف حالك يا ريمه ؟ و الله اشتقت إليك ..
– و كذلك أنا يا أميرة .. كيف حالك ؟
– بخير و لله الحمد، لكن الحمل أتعبني قليلا ..
نظرت بغبطة إلى بطنها المنتفخ و تمنيت بشدة لو كنت مكانها الآن في هذا المكان الجميل رفقة زوج يحبني و طفل ينمو في أحشائي ..
– مبارك عليك .. يسر الله ولادتك ..
– آمين يا رب .. ماذا عنك؟ أرزقك الله بأولاد أم ليس بعد ؟ إياد كان يعشق الأطفال ..
ظللت صامتة … لم يذكرونني به حتى هنا .. لم يتحالف الجميع معه ضدي .. أجبت و عيناي في الأرض ..
– لا .. في الواقع .. نحن لم نتزوج ..
– آه .. آسفة .. ظننت .. و الله لم أكن أعرف ..
– لا بأس .. إذا هل تأتين للعمرة كل سنة ؟
– بالطبع .. منذ أن بدأ زوجي بالعمل في السعودية .. و الله إننا لفي نعمة ..
– آه و الله ..
– ماذا عنك ؟ أهي أول مرة ؟
– نعم .. و لكنها لن تكون الأخيرة بإذن الله ..
– إن شاء الله .. الحجاب يليق بك كثيرا .. متى تحجبت ؟
لم أعلم بم علي أن أجيب .. أحرجني سؤالها و لم أعرف بم أرد .. ثم قلت و ابتسامة هادئة تعلو وجهي ..
– أنا لم .. أنا لم أتحجب .. لم أتحجب بعد ..
نظرت إلي بحنان و ابتسمت ثم قالت قريبا إن شاء الله .. قريبا .. تعالي معي هيا .. سأريك غرفتي كي تأتي لتزورني و كي تري ابني زياد .. ذهبت معها و كلي شوق لرؤية هذا الطفل الصغير .. حضنت زياد الصغير و مشاعر الأمومة تثير في داخلي الكثير ..
كنت مصابة بفوبيا العقم .. أذهب من طبيب إلى طبيب، و أجري تحاليل و أطرح أسئلة و أقرأ مواضيع .. كنت أخشى أن أكون عقيما و أحرم من رؤية أطفالي و كان إياد يضحك مني كثيرا حين أبوح له بذلك و يمازحني قائلا .. أتخافين أن أتزوج عليك إن لم تنجبي .. لا تخشي شيئا يا حبيبتي .. أنا لا أريد من الدنيا سواك ، كما أني لا أحتاج أطفالا فأنت أصلا مازلت طفلة .. آه يا إياد ليتك تعرف كم شابت طفلتك في هذه السنين ..
من الغريب ألا تحلم المرأة بأطفال إلا من الرجل الذي تحبه .. لم أفكر يوما في الأطفال مع باسم رغم أن علاقتنا كانت أكثر رسمية و كنا على وشك الزواج .. فكرت في الشقة .. في تجهيزات الزفاف .. في كل شيء لكن لم أفكر و لو للحظة في طفل منه ..
دخل زوجها الغرفة فسلم بصوت منخفض و عيناه في الأرض، تمام كما كان يفعل إياد .. أجئت كي أنساه أم كي أجعل ذكراه تتغلغل في قلبي أكثر و أكثر .. فاستئذنت و ودعت أميرة و زياد فحضنتني بقوة و أعطتني بعض الكتب .. شكرتها و عدت إلى غرفتي ..
” تحرير المرأة بين الغرب و الإسلام” ” أسعد امرأة في العالم” ..و كتب أخرى لم أسمع بها يوما .. و لا أعلم لم أعطتها لي أميرة .. وضعتها في حقيبتي فأنا لم آتي إلى هنا كي أقرأ الكتب، فلأرتح قليلا ريثما أذن المغرب .. حاولت النوم لكن الأرق أصبح يعذبني مؤخرا، فأمسكت كتابا و بدأت أقرأه .. فسرقني من نفسي إلى أشياء لم أسمع بها من قبل .. و بعد صلاة المغرب أكملت الكتب الأخرى و لم أنم إلا بعد أن التهمتها كلها .. لأول مرة في حياتي أرى كم كرم الإسلام المرأة بالحجاب .. لأول مرة أراه حصنا منيعا يقي من عيون الطامعين .. لأول مرة أراه تشريفا و تكريما .. لأول مرة أحس أنه ليس مجرد قطعة قماش بل شيئا أسمى بكثير .. لأول مرة أحس أني أمضيت سنين أنادي بحرية مزعومة لا تمت للحرية بصلة .. لأول مرة أرى الفرق شاسعا بين الحرية و التفتح و قلة الأدب ..
سرح خيالي ما بين حالي هنا و أنا مستورة و بين حالي ببلدي و أنا سافرة و العيون تتطلع إلي، و كم المضايقات الذي أتعرض له ..
أحسست أني كنت رخيصة حين كان يراني الجميع .. و يلمسني الجميع .. إياد كان محقا .. كان يحبني و كان يريدني له وحده، كان يريدني غالية .. كان يريدني مصونة .. كان يريد ني أن أرضي ربي ..
بكيت توبة لربي عن السنين التي أمضيتها دون حجاب .. و عزمت على لبس الحجاب من هذه اللحظة، ثم اتصلت بجدتي كما كنت أفعل كل ليلة كي أبلغها بقراري .. ففرحت به كثيرا لكن نبرة صوتها كانت غريبة و أقلقتني بشدة ..
– ما الأمر يا جدتي ؟
– لا شيء يا حبيبتي ..
– يبدو صوتك غريبا .. كأنك كنت تبكين ..
– فاطمة مريضة يا بنيتي .. مريضة جدا .. حاولي أن تعودي بسرعة كي تريها .. تعلمين كم تحبك ..
اغرورقت عيناي بالدموع و علقت الكلمات في لساني .. أيا ربي .. خالتي الحبيبة مريضة و أنا لا أدري .. أبلغت جدتي أني سأعود في الغد، و توجهت للكعبة لآخر مرة و صليت و دعوت الله كثيرا أن يشفي الخالة و يحفظها لي و لإياد .. يا رب لا تحرمه إياها فقد عاش محروما منها لسنين .. يارب احفظها له حتى ترى أولاده و أحفاده .. يا رب لا تذقه لوعة فراق الأم .. يا رب إنها غالية على قلبي فلا تحرقه بفراقها .. يا رب احفظها بحفظك يا كريم .. يا رب اشفها شفاء لا يغادر سقما .. اللهم رب الناس أذهب الباس اشف أنت الشاف لا شفاء إلا شفاءك شفاء لا يغادر سقما ..