في الغد كان الطقس باردا فقد شارف فصل الشتاء على الدخول، لكني لم أعرف ذلك إلا و أنا في طريقي إلى المكتب و تكاسلت عن العودة إلى الشقة لتغيير ملابسي، خصوصا أن إيجاد ملابس أثقل كان سيأخذ مني ساعة من البحث وسط ركام الملابس المبعثرة في مكان يشبه الخزانة .. و كنت آمل أن يكون المكتب أقل برودة ..
دخلت المكتب و سلمت بسرعة على الجميع ثم جلست على مكتبي لأكمل عملي قبل أن يبدأ الاجتماع .. لكن سرعان ما حان الوقت، استغل رئيس التحرير هذه الفرصة ليعرف الجميع على إياد، و لنناقش مستجدات العمل، بينما سرحت أنا في السماء التي كانت السحب فيها تتجمع مشكلة ما خيل إلي بأنه سفينة .. كان منظر جميلا بحق و تمنيت لو كانت بيدي كاميرا لأصوره .. قبل أن ينتشلني صوت المدير ..
– آنسة ريم .. هل من سؤال ؟
– سؤال عن ماذا ؟
– عن التحقيق الذي كلفتك به أنت و الاستاذ إياد ..
– الأستاذ إياد ؟ لكني أعمل دوما وحدي …
– نعم .. لكني عينت الأستاذ إياد في قسم المجتمع و السياسة، و أريدكما أن تعملا معا حتى يألف الأستاذ إياد العمل و يفهم طريقة سيره ..
– قسم المجتمع و السياسة ؟ لكن لدينا ما يكفي من المحررين في هذا القسم ..
جاءني صوته متحديا ..
– لا أمانع يا أستاذ أن أعمل في أي قسم آخر ..
غير أن مدير التحرير قال بحزم أنه من يقرر و طلب منا الانصراف كي لا نتأخر ، فصمت كلانا و انتابني الغيظ بسبب رد إياد رغم أني من أقدمت أولا على الاعتراض على إلحاقه بنفس القسم الذي أعمل به ..
جمعت حاجياتي بسرعة في حقيبتي، و أنا أفكر في سبب انفعالي الغريب لمرافقتي لإياد .. إنه مجرد زميل، لا أكثر .. و الماضي قد انتهى منذ زمن طويل .. و أنا قوية، لطالما كنت قوية فمالي أخشى أن أضعف ..
– لنذهب .. انا جاهزة ..
– ألن ترتدي شيئا ؟ الجو بارد ..
– لا بأس .. أنا بخير ..
– حسنا كما تريدين .. أنذهب في سيارتي أم تفضلين أن نستقل سيارة أجرة ؟
– لست صاحبة الأفكار البالية .. أنسيت ؟ المهم ألا نتاخر فلدي اجتماع مهم ..
رمقني بنظرة غاضبة حتى أصبحت أتمنى لو أعيد الكلمات إلى فمي من جديد، ثم قال بهدوء ..
– حسنا .. لنستقل سيارتي إذن ..
حاول إياد أن يكسر حاجز الصمت بيننا فسألني
– هل هناك اجتماع آخر في الجريدة ؟
– لا .. بل بالجمعية ، أنا عضوة في جمعية jfw justice for women
– و ما الذي تقعله هذه الجمعية العظيمة ؟
– إياد كف عن التهكم .. إنها تضمن للنساء حقوقهن و حرياتهن ..
– حقا ؟ أي حقوق يا استاذة ؟
– حق المرأة في التعليم .. في العمل .. في العمل السياسي ..
– ألا ترين أن النساء يمارسن كل هذا منذ زمن طويلا ..ألم تتعلمي و ها أنت تعملين الآن ..
– أنا لا أتكلم عن نفسي، لكن هناك نساء كثيرات يتركن التعليم أو العمل بسبب الزواج، فيضيع مستقبلهن و تضيع حياتهن ..
– أترين الزواج مضيعة للحياة ؟
– حين تتخلى المرأة عن أحلامها و طموحاتها و تفقد كيانها من أجله .. نعم بالطبع ..
– هل أنت حقا مقتنعة بكلامك هذا ..أم هي شعارات حفظتموها و ترددونها دون وعي ..
– بالطبع ..أشد الاقتناع ..
– أتقصدين أنك كنت ستفضلين العمل على الزواج من رجل تحبينه و إنجاب أطفال يكبرون أمام عينيك
– لم علي أن أختار .. لم لا أستطيع أن أحظى بالاثنين معا ..
– لأن الحياة السعيدة تتحقق بالتضحيات .. تصوري لو كنت تعلمين طوال اليوم بالجريدة ثم تذهبين إلى جمعيتك هذه فكيف ستعودين للبيت للاهتمام بزوجك و أطفالك ..
– كنت .. كنت سأبحث عن عمل مناسب لساعات أقل .. و لم أكن لأنضم للجمعية ..
– ها قد بدأت تتفقين معي .. التضحيات .. كنت ستقدمين التضحيات بقدر حبك لأسرتك .. إذا لا تعجبي إن كانت هناك امرأة تحب زوجها و أطفالها لدرجة أن تتخلى عن حياتها العملية كلها من أجلهم ..
– لم على المرأة وحدها أن تقدم التضحيات ؟ لم لا تقدمون أنتم التضحيات قليلا ..
– و من قال أن الرجل لن يضحي .. سيضحي الرجل حين يعمل ليل نهار كي لا تحتاج أسرته شيئا .. سيضحي حين يكد هو في العمل كي ترتاح هي في البيت .. أليست هذه تضحية ؟ و هي تهيئ له أسباب النجاح و تريحه و تسعده كي ينجح و يرتقي .. ألا يقولون وراء كل رجل عظيم امرأة ..
– لم على المرأة أن تكون وراء الرجل ؟ لم لا تكون هي بنفسها عظيمة
– لأنه لا فرق بينهما .. في الزواج يصبح الاثنان شخصا واحدا .. لو كنت تزوجت لفهمت ما أقصده ..
– لو كان هناك رجل يستحق لكنت تزوجته .. و لربما فكرت في التضحية من أجله ..