نظرت إليه بغضب، و تمالكت نفسي كي لا أبدو ضعيفة أمامه .. ثم عدنا إلى مقر الجريدة، حيث أخذته في جولة و أريته المطبعة، و شرحت له كل شيء ثم أخذته إلى مكتبه .. شكرني ثم نظر إلي للحظات مستغربا و أشار إلى خصلاتي الشقراء ..
– شعرك .. هل غيرتي فيه شيئا ؟
– نعم .. صبغت بعض الخصلات باللون الاشقر .. كيف يبدو ؟
– اممم يبدو طبيعيا ..
– طبيعيا ؟ أهذا الوصف الوحيد الذي خطر على بالك ؟
– نعم .. بالمناسبة كيف حال والدتك ؟
– سعيدة .. مع زوجها الجديد .. و حياتها الجديدة ..
– هل تزوجت أيضا ؟
– نعم .. بعد أن سافرت ببضعة أشهر .. و بقيت أنا مع جدتي، رغم أنها عرضت علي الانتقال للسكن معها لكني لم أرد أن أزعجها في حياتها الزوجية الجديدة، و بعد استلامي لعلمي في الجريدة اشتريت شقة و سكنت وحدي ..رغم اعتراضي والدي طبعا و اغتنامه لهذه الفرصة كي يبدأ خلافا جديدا مع أمي متهما إياها بإهمالها لي .. لكني ضربت بكلامهم عرض الحائط .. فأنا لم أعد صغيرة ..
نظر إلي نظرة يملأها الحنان ثم همس بصوت خافت :
– أنا آسف ..
– لم ؟
– لأني لم أكن بجانبك في هذه الظروف الصعبة
نظرت إليه مطولا و قد عاد بي الزمن ست سنوات إلى الوراء أو ربما أكثر، منذ كنا مجرد جارين نلعب سويا، إلى أن أصبحنا زميلين في كلية واحدة، إلى أن أصبحنا حبيبين تعاهدا على الزواج .. قبل أن يرحل و يبدد كل شيء .. خنقتني غصة و أوشكت على البكاء لكني أجبت بحزم لا عليك .. و رحلت بسرعة قبل أن تفضحني دموعي .. ذهبت جريا إلى شقتي التي لم تكن تبعد كثيرا عن مقر الجريدة، و بكيت .. بكيت كما لم أبكي منذ أيام، نظرت إلى وجهي في المرآة .. آثار السهر على عيوني .. حب الشباب الذي استوطن جزءا كبيرا من بشرتي، الندبة التي مازال أثرها على جبهتي و التي أخفيها بشعري .. و شعري الذي أتركه مبعثرا هو الآخر دون اي اهتمام ..لم أكن هكذا .. كنت جميلة .. كنت أهتم بنفسي كأي فتاة شابة، أسرح شعري و أضع المساحيق و أرتدي الفساتين ..كنت أحب أن أبدو جميلة، أن يراني إياد جميلة .. لكن بعده كرهت الحب … كرهت الرجال .. و كرهت كل شيء ..
غسلت وجهي و شربت كوبا من العصير و مهدئا ثم نمت و لم استيقظ إلا على أذان العشاء، توضئت و صليت و أكلت ثم نمت من جديد ..و رغم أني نمت أكثر من معدل النوم الطبيعي للإنسان فقد استيقظت متأخرة كعادتي فغيرت ملابسي بسرعة و جريت ككل يوم نحو المكتب، لم أكن أرغب في رؤيته هذا الصباح فمررت سريعا من أمام مكتبه و لحسن الحظ كان فارغا، يبدو أن الاستاذ لم يتعلم في فرنسا الحضور في الوقت ..لكني فوجئت به في مكتبي ..
– صباح الخير ريم ..
– صباح الخير ..ما الذي تفعله هنا ؟
– جئت لألقي التحية ..
– فقط ؟
– و لأطمئن عليك ..
– لم ؟ هل أبدو مريضة ؟
– لقد غادرت البارحة مبكرا ..
– كنت متعبة ..
– حسنا .. سعيد أنك على ما يرام .. سأتركك لتكملي عملك ..
– حسنا .. شكرا ..
وضعت رأسي على مكتبي و جلست للحظات أحاول التفكير في ما يطرأ في حياتي، ثم استعدت تركيزي و قمت كي أقوم ببعض التحقيقات في الميدان من أجل موضوع جديد ..و أمضيت اليوم بأكمله في الخارج، كنت أحاول أخذ موعد مع أديبات و مفكرات و عالمات لأكتب عنهن موضوعا عن تقدم المرأة و دورها في تنمية المجتمع، و لم يكن الأمر بالهين فعدت إلى البيت مهدودة، اتصلت والدتي بي ليلا للاطمئنان علي أو ربما لإراحة ضميرها بمكالمة أسبوعية تظن أنها كافية لقيامها بواجبها كأم ..
أمي التي طلقها والدي فعادت مراهقة تبحث عن زوج فقط لتغيض طليقها و تبرهن له أنه خسر الكثير حين خسرها، و لم تكن لتقبل بأي زوج، كان لا بد أن يكون أكثر وسامة من والدي .. و أكثر غنى و ذا مركز مرموق، و لم تبالي أنها لم تجد هذا الزوج إلا بعد أن بلغت الأربعينات من عمرها ناسية أو متناسية أن لها ابنة تحتاج حبا و حنانا .. ابنة في سن الزواج قد تركها للتو الزوج الذي كانت تحلم به .. فتزوجت أمها لتتيح لها ربما فرصة مشاهدة زفاف عن قرب تعويضا لها عن الزفاف الذي لن تكون يوما بطلته ..
شربت منوما آخر قبل أن تحتل بالي هذه الأفكار أكثر و احتضنت وسادتي … الشيء الوحيد الذي لم يتخلى عني في هذه الحياة ..