التاريخ لا يرحم وسيذكر أن الشعب الجزائري خرج في مظاهرات ضد “جثة” رئيس في الأصل كان بيدق بيد الجنرالات نعم سيذكر التاريخ أننا تظاهرنا من اجل لا شيء ببساطة لأننا نعبد الجنرالات… لذلك وفي هذه اللحظة الراهنة من التاريخ يحتاج الشعب الجزائري إلى تحرير نفسه من جنرالات يعززون مكانتهم وقدسيتهم بقمع وترهيب وإفقار المواطنين وللقيام بذلك سيتعيّن علينا أن نتغلب على الرغبة في تقديس الجنرالات وغيرهم من رموز السلطة.
في علم النفس السبيل إلى أن تفرض سيطرتك على إنسان آخر هو أن تجعله يعاني وهو أسلوب الجنرالات المفضل وللأسف لم يتخلص الشعب الجزائري بعد من تقديس الجنرالات مند “بومدين” مرورا بالجنرال توفيق وصولا للقايد صالح وسبب ذلك هو افتقار العلاقة بين الجنرالات و الشعب الجزائري إلى المعايير الإنسانية والأخلاقية والعلمية التي يمكن الاستناد إليها للحكم على الأشخاص والأشياء وقد نجم عن هذا تكريس ظاهرة تقديس الجنرالات التي ترسخت في ذهنية أغلب الشعب الجزائري بشكل لا واعي ولا إرادي حيث تنهض أساسا على مجموعة من التصورات والعواطف وردود الفعل العفوية الناتجة عن انفعالات آنية لا تقوم على تفكير عقلاني مدروس بل هي مجرد نتيجة ردود فعل تلقائية ناجمة عن سياسات قمعية وترهيبية تمكنت من التحكم في أفكار الناس ومواقفهم وأفقدتهم حريتهم وجعلت من الجنرالات رموزا خالدة حتى ولو ارتكبوا مجازر كبرى وهذا ما جعل جنرالات لا ينهجون سياسات علمية وعملية تجعل الشعب الجزائري شريكا وفاعلا في صنع القرارات ولهذا المفكر ألماني “أريك فروم” يرى أن حالة التملك والهوس من قبل شعوب لأنظمة وزعامات بعينها وما يترتب عليه من تقديس وخضوع يجعلنا نشك في أن داخل بنية اللاشعور عند هؤلاء يكمن دين وثني كعبادة الحكام وأنه لا يزال هذا الدين حاضرا حتى مع اعتقاد تلك الأمم شعوريا أنهم يتعبدون عبادة عقلانية توحيدية حيث عرف أريك فروم الوثنية بأنها ليست الإيمان بالآلهة المتعددة ولكن عبادة ما نصنع: أشياء على الطريق كالحجارة نهبها كل أحلامنا وعواطفنا وقوانا وماهيتنا ثم نعبدها بعد أن نكون قد أفلسنا تماما من أي معنى أو قيمة داخلية ولذلك كلما أصبح الوثن قويا أصبح المتعبد فقيرا وهذا حال الشعب الجزائري الذي يعبد الجنرالات هم يزدادون في الثراء الفاحش و الشعب الجزائري يزداد فقرا ولذلك تزداد لذة بعض الفئات من الشعب الجزائري بالعبودية كلما تمادى الجنرالات في القمع والترهيب والإطاحة بحكم الدستور والقانون وانتحلوا من صفات الله حيث يتخلقون بالقوة والجبروت والعظمة وهذه صفات عندما تتجسد تنزع من الشعب قوى التعبد والتبتل وتصرفها في مجاري الاستبداد واللافت أن رجال الدين الذين مهمتهم توجيه الإيمان إلى التوحيد هم ذاتهم الذي يمارسون توجيهه نحو تقديس الجنرالات.