فأمسك يدي ثم قال ..
– نعم يا ريمه .. حين كان الموت قريبا مني أدركت أني أتمنى لو أعود للحياة كي أعوضك عن كل لحظة ألم عشتها بسببي .. كي أعوضك عن كل دمعة ذرفتها من أجلي .. لم أفكر في سواك .. أنت الشيء الوحيد الذي يهمني في هذا العالم يا ريم .. ريمه أنا لم أظلمها بل هي من ظلمتك .. لقد أهانتك مرارا و تكرار أمام عيني .. ريمه صدقيني أنا لم أظلمها يوما ..
سحبت يدي من يده بسرعة ثم قلت ..
– أنا لن أعود إليك أبدا، عد لزوجتك .. ماذا تظنني ؟ أنانية لدرجة أن أرقص فرحا حين أعلم أنك ستصبح لي حتى لو كان ذلك على حساب امرأة أخرى .. عمياء لدرجة أن أقبل بهذا الوضع متناسية كل ما فات .. يائسة لدرجة أن أصدق فعلا أن حبنا يستطيع أن يحيا من جديد بعد أن مات مختنقا من سنين ..
– لكن ..
– عد لزوجتك يا إياد .. و أرجوك لا تأت إلى هنا مرة أخرى .. و لتعلم أني لم أفعل ما فعلته من أجل أن يحدث هذا ..
– أعلم .. أنا من ..
– لا أريد سماع أي شيء .. وداعا يا إياد ..
– ريمه من فضلك ..
– من فضلك أنت .. ارحمني … ارحمني ..
و دخلت الممرضة تعلن عن انتهاء وقت الزيارة فخرج مجبرا و انهرت باكية .. بقدر ما تمنيت يوما لو يبتعد عنها من أجلي … بقدر ما تألمت الآن لما فعله .. بأي حق يفعل هذا، بأي حق .. صغرت في عيني كثيرا يا إياد .. كثيرا ..
أمسكت دفتر يومياتي و بدأت أقلب صفحاته، و أتجرح المرارة مع كل جملة .. أرهقني .. أرهقني كل هذا فأغلقت الكتاب سريعا و دفنت رأسي في المخدة علي أنام .. و في الصباح حاولت أن أشغل نفسي بقراءة الروايات التي أحضرها لي إياد .. و غضبت جدا من ليلى لأنها لم تزرني طيلة هذه الأيام فقد اشتقت لها كثيرا، كما أني أشعر بالوحدة في هذا المكان ، و فجأة سمعت صوت الباب فظننت أنها هي فإياد لن يجرؤ على القدوم، خصوصا اليوم .. لكن زارني آخر شخص كنت أتوقع زيارته .. السمراء .. كانت ترتدي السواد و كان وجهها خال من المساحيق التي اعتادت وضعها على وجهها، و عيناها متورمتان من شدة البكاء .. قالت بصوت مبحوح :
– صباح الخير .. كيف حالك ؟
– بخير و أنت ؟
– الحمد لله .. أرجو ألا أكون قد أزعجتك ..
رغم أني أشفقت عليها إلا أني مازلت لا أطيق الحديث معها و لا رؤيتها .. لمحتها تلمس بطنها مرارا و تكرارا فعلمت أنها .. فابتسمت لها ثم قلت ..
– تفضلي بالجلوس … في أي شهر ؟
– عذرا ؟
– أنت حامل في أي شهر ؟
– الثاني .. كيف .. كيف علمت ؟
– أنا امرأة مثلك يا سارة ..
– لقد جئت كي أعتذر عما فعلته .. لكن عليك أن تعذريني ..
– أعذرك ؟
– ريم كلتانا في المركب نفسه .. كلتانا ترى أن الأخرى أخذت منها إياد .. أنا بزواجي منه و أنت بحبه لك ..
قلت مستنكرة ..
– أتقارنين بين الزواج و الحب ؟ أتقارنين بين ميثاق غليظ و نزوة مراهقة ؟
– ميثاق غليظ ؟ ها قد انقض الميثاق عند أول عقبة .. و ها قد انتصرت النزوة حتى بعد أن مضى عليها سنين ..
– ما الذي تريدينه يا سارة ؟
– أريدك أن تكلميه .. أنت وحدك من تستطيعين إقناعه ..
– إقناعه بماذا ؟
– بأن يعود إلي ..
صرخت في وجهها ..
– أتعين ما تقولينه ؟
– ريم أنت قوية .. لقد استطعت العيش من دونه طوال هذه السنين لكني لن أقدر .. سأموت بدونه .. هو كل من أملك في هذه الدنيا .. و طفله يحتاجه .. لولاه لـ .. لا أعلم ما أخبرك به .. لا أعلم إن قال قد قال لك كما قال للجميع أنه تزوجني عملا بوصية والدي أم إن كان قد أطلعك على الحقيقة ..الحقيقة التي لو عرفتها فستعلمين أني لن أستطيع أن أحيا بدونه ..
– أي حقيقة ؟
– إياد .. إياد لم يتزوجني عن حب و لا عن اقتناع و لا عن أي شيء .. كان إياد يدرس في مدينة أخرى و كان يزورنا من حين لآخر، و قبل سنتين بدأ العمل في جريدة بباريس و اقترح عليه والدي أن يسكن معنا .. و لم يكن يربطنا حينها سوى بيت واحد نعيش فيه و لم نكن نتبادل الحديث إلا نادرا جدا .. لأني كنت علاقة بشاب اسمه ” ستيف” فرنسي .. كان زميلي في الجامعة، كنت في سنتي الأولى و كان في سنته الأخيرة و تطورت العلاقة بيننا شيئا ما . حتى .. حتى أصبحت أحمل طفله في أحشائي .. و تخلى عني.. فأصبحت أفكر في الإجهاض ..
شهقت و وضعت يدي على فمي ثم قلت ..
– أستغفر الله العظيم ..
– لم يكن أمامي حل سواه، لكن قبل أن أقدم عليه .. أغمي علي ذات مساء و أنا بالبيت فنادى إياد الطبيب الذي يسكن معنا في نفس البناية، و أخبره أني .. أني حامل .. لكن إياد أخفى الأمر عن والدي و أخبره أن الطبيب قال أني أشكو من الإرهاق فحسب، و لم يكلمني مطلقا .. و في اليوم التالي نزلت للجامعة فلحق بي مسرعا و سألني عن والد الطفل فأخبرته كل شيء، فبحث عنه حتى وجده .. لكن ” ستيف” رفض أن يعترف بالطفل و رفض أن يتزوجني .. ففي فرنسا الأمر يختلف كثيرا ..
– و أجهضت الطفل ؟
– لا .. طلب إياد يدي للزواج من والدي، كي لا أجهض الطفل و كي لا يعلم والدي .. فقد كان والدي مريضا و خبر كهذا كان سيقضي عليه .. فوالدي كان متمسكا بالدين و التقاليد .. لم أكن محجبة لكنه كان يصر على أن أصلي الصلاة في وقتها و أن أصوم و أقوم بكل الفرائض، كما أنه لم يكن يكلمني بغير العربية .. و حتى أمي رحمها الله قبل أن تموت كانت قد تعلمت العربية منه رغم أنها فرنسية الأصل ..
رددت بصوت يشوبه النحيب ..
– لهذا تزوجك إياد إذا ..