دخلت الحمام و نظرت طويلا للمرآة، كنت أبدو شاحبة ..غسلت وجهي مرارا و تكرارا و غيرت الطرحة ، مازلت لا أجيد لفها لكني لم أعد أشعر بالاختناق كالسابق.. بارك الله في عمرك يا أميرة .. نعم الصديقة أنتِ .. سمعت نقرا خفيفا على الباب فخرجت، و وجدت إياد قد عاد، و ما أن لمحني واقفة حتى ثار في وجهي ..
– ما الذي تفعلينه ؟ استلقي .. لقد طلب الطبيب أن ترتاحي ..
أحببت بشدة نظرة الخوف تلك في عينيه، كنت مشتاقة لها .. مشتاقة لها بشدة، و مشتاقة لكل شيء فيه .. لم أعقب على ما قاله و استلقيت بسرعة، و كلمت جدتي و قلبي لا يزال يرقص فرحا .. اعتذرت لها عن غيابي الطويل و تحججت بالعمل و وعدتها أن أزورها قريبا، كانت قلقة بشدة علي فقد اتصلت مرات عديدة، غير أني لم أجد و لو اتصالا واحدا من أمي أو أبي فلم أكلف نفسي عناء الاتصال بهما أيضا .. و ما أن أنهيت المكالمة حتى رأيت يمسك بين يديه ثلاثية أحلام و يبتسم :
– تفضلي .. كي لا تشعري بالملل ..
– أحلام ؟ معقول ؟ لكنك تكرهها ..
– جدا .. أكثر مما تتصورين .. لكني أعلم أنك تحبينها، و لا تملين قراءة رواياتها ..
– بالطبع، إنها رائعة و اسلوبها رائع، لا تستطيع إنكار ذلك يا أستاذ ..
– بالطبع لا أنكر، لكنها تحرض النساء ..
– بل تظهر حقيقة الرجال ..
– دعينا منها، لقد أحضرت شيئا آخر ..
– كتابا آخر ؟ لمن هذه المرة ؟
– كتابك ..
شل لساني حين رأيت يومياتي بين يديه، كنت أخشى أن يكون قد قرأها، لكن لا يمكن أن يقرأها دون إذني .. سألته بحزم ..
– لم أحضرته ؟
– ظننت أنك ربما قد ترغبين في كتابة يومياتك ..
– شكرا ..هل قرأته ؟
– بالطبع لا ، و هل تظنين أنني سأستطيع قراءته حتى لو أردت ؟
– أنا أتعمد أن أكتب بخط رديء حتى لا يفهم أحد ما أكتب .. ثم أن خطك لا يقل رداءة عن خطي يا أستاذ، و الحمد لله على نعمة الآلة الطابعة و الحاسوب ..
– رفقا يا ريم .. كنت أمزح فحسب .. لم تخبريني يوما أنك تكتبين يومياتك …
– لم أكن أكتبها حينها .. و لم أعد أكتبها الآن ..
– لم ؟
قلت بأسى ..
– معك لم أكن في حاجة للكتابة .. كنت أعيش حياتي لحظة لحظة .. فلمَ أدونها؟ و بعد رحيلك بدأت أكتب لأن الطبيب أخبرني أن هذا سيساعدني على .. و .. بعد فترة لم يعد ذلك يجدي، أصبحت الكتابة في حد ذاتها وجعا .. فتوقفت عنها ..
– طبيب ؟ اي طبيب ؟
– طبيب نفسي .. اضطررت أن .. بعد أن حدث ما حدث .. سافرت لقضاء بضعة أيام بمنزل والدي، ظننت أن هذا سيساعدني، لكن حالي ازداد سوءا فاضطررت لرؤية طبيب .. الطبيب طلب مني أن أكتب يومياتي كي أنفس عما في داخلي ..
طأطأ رأسه و قال بأسف ..
– حصل كل هذا بسببي ..
فتمالكت نفسي و قلت ..
– لا .. على كل حال لا داعي للحديث عن الماضي الآن ..
شعرت أن ذكريات المضي ستوجعنا كثيرا، شعرت أني بدأت أنسى نفسي، بدأت أستسلم لمشاعري، بدأت أحن للماضي .. فأردت أن أعود للواقع كي أكف عن السرحان في الخيال، فسالته ..
– كيف حال ليلى و أحمد ؟ و سارة ؟
– الجميع بخير ..
– الحمد لله، أرى أن تذهب الآن يا إياد ..
– أذهب و أتركك وحدك ؟ مستحيل .. ليس قبل أن ينتهي وقت الزيارة ..
– حتى إن أخبرتك أني سأرتاح أكثر لو بقيت وحدي ..
– أيزعجك وجودي لهذه الدرجة ؟
صحت فيه ..
– نعم يا إياد .. يزعجني .. عد إلى بيتك .. و .. و إلى زوجتك ..
– هل مازلت غاضبة بسبب ما قالته سارة ؟
– لا.. إنها زوجتك و من حقها أن تغار عليك ..
– كانت زوجتي ..
– ما الذي تقصده ؟
– لقد طلقتها يا ريم ..
– طلقتها ؟ لم ؟
– لأنني ارتكبت خطأ فادحا حين تزوجتها، أنا لا أحبها .. أنا لم أحبها يوما … انا أحب
– توقف .. فات الأوان على الندم .. لا يحق لك أن تلعب بمشاعرها كما تريد، أتظن بنات الناس لعبة بين يديك .. اكتشفت للتو أنها لن تعوضك عنّي،،أنها لن تكون أنا يوما و لن تعيد لك الماضي ،،أنها لن تستطيع أن تهتم بك كما كنت أفعل ،،و تراك كما كنت أراك و تحبك كحبّي ،أأدركت للتو أنها لن تطردني من قلبك و تحتله بدلا مني،،و أنها لن تنسيك اسمي و لن تمحي من ذاكرتك وجهي ،،و أنك لن ترى يوما في عينيها نظرة الاشتياق التي كنت تلمحها بعيني ،،لا تظلمها كما ظلمتني ..فإن كنت أنا قد أحببتك لدرجة أني سامحتك ،،فاعلم أنها لن تسامحك ..