ليتك تعلم يا إياد أني عندما كنت أشكو إليك همي … فذاك كان لأني كنت أراك الأقرب من روحي
و عندما كنت أخنقك بوجودي .. فذاك كان كي أغنيك بي عن الآخرين
و عندما كنت أحاصر وحدتك … فذاك كان من خوفي عليك أن تتألم وحدك
و عندما كنت تجرحني و أسامحك … فذاك كان لأني رغبت بشدة أن أحتفظ بك
و عندما كنت أضحي من أجل بسمتك … فذاك لأني كنت أراك تستحق
و عندما كنت أدعو الله أن تكون من نصيبي … فذاك لأني كنت أظن لسانك يلهج بالمثل
لأول مرة ألتمس العذر لأمي .. لأول مرة أعرف شعور المرأة حين تفقد الرجل الذي تحبه و تفقد معه طعم الحياة .. لأول مرة أعلم كم كانت تعاني في صمت و أنا لا أدري .. لأول مرة أعلم كم هذا الشعور مؤلم .. قاتل .. مذل ..
دخلت إلى شقتي ، صليت فرضي و تضرعت إلى الله كي يرحمني ثم خلدت إلى الفراش .. لكن شبح الأرق حرم جفوني النوم لساعات حتى رحمني الله و أغمضت عيوني هنيهة .. و في الصباح لم أستطع الذهاب للجريدة .. لن أقدر على رؤيته .. لن أتحمل أن تلتقي عيوني بعيونه بعد اليوم .. اتصلت بالجريدة و طلبت عطلة حتى يتسنى لي أن أبتعد قليلا ريثما أفكر فيما سأفعله .. كنت محتاجة للراحة ..كنت محتاجة للرحمة .. لرحمة من الله تغمرني.. فبدأت في الإجراءات لأزور بيت الله كي أظفر بعمرة تغسل روحي ..
تمت الإجراءات بسرعة و ذهبت لزيارة الجدة قبل سفري، فمن يعلم قد يمن الله علي و يقبض روحي في بيته .. احتضنتني جدتي طويلا فرحا بقراري هذا، فهي الأخرى لم تكن راضية عني تمام الرضى .. لم أكلف نفسي عناء زيارة أمي أو أبي و اكتفيت بالاتصال بهم قبل موعد الطائرة ببضع ساعات، و رفضت حتى ملاقاتهم في المطر.. كنت أحتاج أن أبقى وحدي ..
جلست بمقعدي و الخوف يتملكني .. لم تكن أول مرة أركب فيها طائرة، لكنها كانت أول مرة أحس فيها بأنني لن أعود .. كان شعورا غريبا لكنه لم يكن مزعجا، فليس هناك في حياتي ما يجعلني أتمسك بها على كل حال .. بالقرب مني كانت تجلس سيدة في أواخر الخمسينات من عمرها و قربها زوجها الذي بلا شك يحبها كثيرا، كان قد أسند لها كتفه كي تنام عليه و بقي يمسح على رأسها بحنان أبوي .. كنت أراقب هذا المشهد بإعجاب، أو يوجد على هذه الأرض حب كهذا .. أو يوجد رجل قد يعشق زوجته حتى تغزو التجاعيد وجهها .. أو يوجد رجل قد يحب زوجته حتى يحتل الشيب شعرها .. فما الذي ينقصني حتى لا يحبني إياد هذا الحب .. ما الذي ينقصني حتى أستحق مثل هذا الحب .. كم أغبطها .. كم أحسدها .. أيا رب رحمتك .. رحمتك ..
وصلت الأراضي المقدسة فلففت شعري في حجاب، خجلت أن أمشي سافرة الشعر في مكان كهذا .. توجهت للفندق الذي حجزته لي الوكالة، وضعت حقائبي و نزلت بسرعة .. كنت مشتاقة للكعبة، كنت مشتاقة للصلاة في بيت الله ..
و ما أن رأيت الكعبة حتى نسيت إياد، نسيت أمي و أبي .. نسيت نفسي و لم أعد أحس شيئا .. لم أعد أحس سوى بنفحات ربانية تغسل روحي، لم أعد أحس سوى بربي قربي يجبر كسري .. يداوي جرحي .. يربت على كتفي .. لم تكن تلك الكعبة التي نراها في التلفاز .. كانت شيئا آخر يزرع في قلبك أحاسيس لا توصف … مزيج من الرهبة و الطمأنينة في آن واحد .. من الخوف و السكينة .. من القرب من الرحمن .. أحسست أني أقرب إلى الله من أي وقت آخر .. خجلت أن أطلب من الله نعمة بعد هذه النعمة .. خجلت أن أطلب من الله شيئا من حوائج الدنيا .. كنت بين يدي الرحمن الرحيم .. أحسست أني غارقة في الذنوب و الملهيات و بعيدة عن ربي الذي خلقني كي أعبده ..فأمضيت عمري أبكي على وحدتي و تعاستي .. بكيت بحرقة على نفسي .. بكيت بخشوع و دعوت الله و تضرعت له أن يغفر لي و يرحمني و ييسر أمري ..
ب الناس أذهب الباس اشف أنت الشاف لا شفاء إلا شفاءك شفاء لا يغادر سقما ..