جدال فقهي كبير، ذلك الذي أثارته مسألة تفجيرات كنيستي الاسكندية وطنطا على مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات وذلك بوصف المسيحيين كأهل ذمة يحرم الاعتداء عليهم، في حين يرى آخرون بأنهم مواطنين في الدول التي يعيشون فيها في ظل الدول الحديثة.
وانقسم التيار إلى قسمين، أول يصر على إطلاق مصطلح “أهل الذمة” على المسيحيين الحالية، وذلك للتمسك بالأحكام الفقهية المقررة في المدونات الفقهية والتي اعتبرت المسيحيين أهل ذمة بموجب عقد الذمة، وذلك عبر دفع الجزية مقابل توفير الحماية في ظل “الدولة الاسلامية”، في الوقت الذي جاء الاتجاه الثاني الذي يعتبر أن “أهل الذمة” مصطلح لا ينطبق على أهل الكتاب في حكمهم، وذلك لاختلاف علة الحكم.
هذا المبدأ تبناه الباحث الشرعي الأردني صالح سهيل حمودة الذي قال في تصريحات صحفية :” عقد الذمة هو عقد كان يعقده ولي الأمر قديما لأهل الكتاب ومن في حكمهم مع بقائهم على دينهم مقابل التزامهم بدفع الجزية، وهي على القادرين منهم، لأنه لا يطلب منهم الدفاع عن الدولة، بل تتكفل الدولة بذلك، “فعلة الحكم تدور على تولي الدولة الدفاع عنهم، مقابل دفع الجزية، لكن المسيحيين باتوا في زماننا يشاركون في الجيش والأمن وسائر مؤسسات الدولة، وهم يتولون الدفاع عن الوطن كما يفعل غيرهم من المسلمين، فارتفعت علة الحكم، واختلفت مناطاته، ما يعني بالتالي اختلاف الحكم”، مضيفا :” لفقهاء الذين يراعون تعليل الأحكام، ويبحثون عن عللها وجودا وعدما، رأوا أن حق المواطنة بات في ظل الدولة الحديثة هو ما يصلح أن يحل محل عقد الذمة الذي كان معمولا به في سياقات تاريخية معروفة”.
وأكد المتحدث :” عقد الذمة ليس حكما شرعيا له صفة الإطلاق، بل هو محكوم بتاريخيته وزمانيته، وهو من الأحكام المعللة، وما دام أن علته ارتفعت ولم تعد موجودة، فلم يعد الحكم موجودا، ولا بد من البحث عن أحكام جديدة تتناسب مع ما استجد من معطيات وظروف”.
من جهته عارض علي محمد زينو، الباحث الشرعي ما قاله حمودة حيث علق قائلا: “”الحكم الشرعي المستنبط من الكتاب والسنة لا يسقط بعدم تطبيقه، فإذا قامت دولة تطبق الشريعة الإسلامية فإنه لا يُطلب من غير المسلمين الدفاع عنها إلا أن يتبرعوا”.
و تابع قائلا حول سؤال هل لهذا التوصيف وجود في زماننا؟ : ” استخدام مصطلح “عقد الذمة” غير ذي معنى ولا فائدة له في الدولة المدنية الحديثة، التي تساوي بين جميع مواطنيها في الحقوق والواجبات، ولكن نظرة الإسلام إلى الدولة أنها دولة إسلامية في منهجها وتطبيقاتها” مضيفا :” بالرغم من تساوي الخلق جميعا في الإنسانية وحق الوجود، إلا أن الإسلام يرفع من شأن المؤمنين في الدنيا والآخرة، ويتعمد خفض شأن غير المسلمين في الدنيا دون إذلال، أو مصادرة لإنسانيتهم تنفيرا لهم مما هم عليه، وتحبيبا لهم في الدخول بما فيه سعادتهم في الدنيا ونجاتهم في الآخرة”.