قال صلى الله عليه وسلم: تَجِدُ من شِرارِ الناس يَوْمَ القيامةِ عند الله ذَا الوَجْهين الذي يَأتي هَؤلاءِ بوجهٍ وهَؤلاءِ بوجه. و مِن الناس مَن يَعيشُ في المجتمع كالحِرباءَ يَتلوَّنُ ألواناً ولا يَثبتُ على حال وهذا الصنف من الناس فاقدُ الشخصية و مَسلوبُ الكرامة و منافقٌ و مُخـادع. وذو الوجهين يكون مع قوم على صفة ومع غيرهم على صفة أخرى فإذا عاشر أهل الصلاح أظهر لهم الصلاح والتقوى والوقوف عند حدود الله وإذا عاشر الفساق أظهر لهم الفجور والفواحش وتباهى بالسيئات يستميل كل قوم بما يحبون لينال عندهم حظوة خلافا للمؤمن الثابت على صفة واحدة.
يَتلقاك ذَا الوَجْهين بالبشاشة ويتَظاهر أمامك بأنه الصَّديقُ الوفيُّ الذي يَفرحُ إِذا فَرِحت ويَحزن إذا حزنت ويَسعد بسعادتِك ويَشقى بشقائك ولقد تَخْدعُك أقوالهُ المعسولة فتنفُضُ له ما في نفسك وتُطلِعه على آمالك وعلى وسائلك لتَحقيقِها أَو تَشكو له من خَصمك او من ظلم (جارك او مسؤولك) وتُفَرِجُ عن نفسك بحديثٍ ساخط على هذا الخصم فيتظاهرُ أَمامك ببُغضِه وبقطيعتِه فإذا ما انْفرطَ اجتِماعُكما أسرع إلى خَصمك فأظهر له مِثلَ ما أظهر لك وعَرَف من أسراره ما عَرَف من أسرارك وحَمَل عليك في مَجلِسه حَملَة الكاره لك ونَقَل إِليه ما سَمِع منك وزاد عليه حديثاً افْتَراه كله كذب. فماذا تكون العاقبة ؟ العاقبة انه ألهبَ ما بينكما من جَفاءٍ وخُصومةٍ وصور لكل واحد منكما للآخر وَحشا كاسِراً ينتظر الفرصة لافتراس خصمه فيُغالي كلٌّ منكما في جهله وعُدوانه وتَتسابقان في وسائل الانتقام.
وذو الوجهين منافق في العلاقات الاجتماعية كاذب ومخادع في علاقاته ومبادئه متلون في مواقفه ومشاعره و ليس له شخصية ثابتة وليس له مبادئ أو قيم مهزوم من الداخل نشأ على الكذب والخداع والمراوغة كاذب اللهجة متأرجح يتمايل على حسب المصالح تافه ووضيع وإن تزين واكتسى بالعباءة محتقر في نظر الرجال أمره مكشوف عند أهل الفراسة والعقل وإن تخفى وراء الأقنعة المزيفة. وذو الوجهين من أهل الخيانة لا يولى ولاية ولا يؤتمن في مسؤولية لأنه لا يقيم العدل والأمانة مع الآخرين.
لو بحثنا عن أسباب الفِتن والخصومة بين الناس لوَجَدنا أَكثرَها من صُنع هؤلاءِ المنافقين الذين ضَخَّموا الصغير وجَسَّموا التَّافه إن ذا الوجهين له ضرر عظيم على المجتمع ويفسد كثيرا بين الناس خصوصا بين أهل الخصومات والمشاحنات عن طريق المدح الكاذب والتملق الفاجر والنميمة الفتاكة وتأجيج الفتن وقد نتج عن ذلك ويلات على المجتمع ووقعت محن ومصائب عظيمة . ولو خَلَصت نية ذو الوجهين لقرَّب بين المتخاصِمين بالسعي الحميد والكلمةِ الطيبة عوض اشعال نار الحقد والكراهية.