نظمت مصالح الشرطة ليلة الاثنين إلى الثلاثاء بولاية تيبازة ،حملة تضامن واسعة استهدفت فئة المشردين لتقديم لهم يد العون و تفقد أوضاعهم الصحية خاصة في ظل تسجيل تهاطل كثيف للأمطار مع انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة.
و حسب وكالة الأنباء الجزائرية التي أوردت الخبر، فإن نقطة الانطلاقة من مقر أمن ولاية تيبازة في حدود الساعة السابعة مساء وسط أجواء مناخية باردة لم تحبط عزيمة افراد الشرطة للقيام بمهام انسانية نبيلة تتمثل في تفقد أحوال “سكان” الشوارع.. المحرومين و المشردين بدون مأوى.
و في جولة ميدانية مفعمة بالحيوية و النشاط.. و أيضا بالحس الانساني و الخيري و عواطف التآزر و التضامن رافقت واج قافلة الأمن الوطني فكانت البداية بمدينة القليعة التي يبدو انها إستسلمت للطقس البارد فخلت شوارعها من المارة و أوصدت المحلات و المقاهي ابوابها…
و بدت شوارع القليعة ليلا بأزقتها المظلمة و صوتها الخافت و الامطار المتهاطلة و القليل من “سكان” الأرصفة و مداخل البنايات متوحشة و مخيفة و مصدر للريبة و فقدان الثقة و السكينة.. هي مظاهر فقط و ليست حقيقة.
مظاهر تبدو من بعيد هكذا لكن عندما تعيش تلك الأجواء و تحتك بتلك الفئة المحرومة من مأوى.. فئة تبقى وحدها تحاكي صمت الليل و هدوءه هروبا من واقع إجتماعي مرير.. تكتشف بداخلهم الطيبة و نكرات الذات و عزة النفس… هكذا وصفها أحد أعوان الشرطة ممن دأبوا على زيارتهم.
و بشارع طريق بوسماعيل.. حيث كانت الساعة تشير الي حوالي العاشرة ليلا حلت دورية للشرطة مثلما تفعل بين الفينة و الأخرى لتفقد احوال أشخاص إفترشوا الشارع و أخذوا منه مأوى لهم يقيهم “شرور و مآسي” تبقى رهينة ماضي و ظروف حياة صعبة.. مثلما وصفتها ليندة إحدى ضحايا المجتمع.
ليندة بدت متعبة و هزيلة الجسد.. مفترشة للكرتون و نظراتها تحمل آلاما… تتماسك نفسها لكي لا تنهار بدموع الأسى و الحرمان.. ترفض ثم تتردد ب”احتشام و لباقة” استيلام “هدية” الشرطة من أغطية و وجبة ساخنة بعد “إصرار و تفاوض” …ليس من باب العدائية و لكن عزة للنفس و حفاظا على كرامتها– كما بدا جليا لواج.
و غير بعيد عن شارع طريق بوسماعيل حلت قافلة التضامن للامن الوطني بحي كركوبة شمال مدينة القليعة.. حي تجاري يشتهر بمحلات الأثاث الراقية… عمي سليمان يفترش على الرصيف سريرا من الخشب عند أحد المحلات… يرفض هو الاخر استيلام مساعدة أعوان الشرطة… يعرفهم بالاسم… يشكرهم بلباقة و يدعوهم لعرضها على أشخاص اخرين هم في أمس الحاجة للمساعدة.
نفس السيناريو يتكرر معه مثلما حدث مع ليندة.. إصرار.. تفاوض و عمل نفسي من قبل أعوان الشرطة… حتى يتقبل عمي سليمان تضامن و تآزر عناصر الامن معه.
و يرفض عمي سليمان مثله مثل غيره من المشردين الالتحاق بمراكز ايواء الاشخاص دون مأوى لسبب واحد… حفاظا على “كرامة و شرف” ابنائه و عائلته… نطقها بحرقة أب يبكي ماضيه “السعيد و الأليم”.
و تواصلت حملة الامن الوطني بالقليعة و فوكة و بوإسماعيل إلى غاية ساعات متقدمة من نهار اليوم وسط تهاطل كثيف للأمطار و في ظلام دامس… من مشرد لآخر… تسعديت.. مسعود.. أحمد و القائمة طويلة في رحلة بحث عن هذه الشريحة الهشة و لكنها في نفس الوقت قوية… لم يقضي فيها الزمن على قيم إنسانية “راقية” رغم الظروف الصعبة و القاهرة حيث تكررت نفس المشاهد و نفس المظاهر… تردد و رفض بلياقة و إحتشام…و حماية لكرامة غدر بها الزمن.