انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة حرب العصابات، التي أصبحت تستشري في عمق المجتمع بشكل يدعو للقلق، لما تخلفه هذه الظاهرة من حالات الرعب و الخوف عن السلامة الجسدية و النفسية و الممتلكات، ظاهرة تثير الكثير من التساؤولات حول أسبابها و تمظهراتها و أبعادها و مدى تهديدها للسلم الاجتماعي و الأمن النفسي و خطورتها على المؤسسات.
فأسباب هذه الحروب غالبا ما تكون تافهة لها علاقة بالمراهقة و بتصفية حسابات ضيقة، فالنموذج ما عاش على إيقاعه شارع 19 جوان أو رود فرانس بقسنطينة ليلة الإثنين الماضي، حيث شهد حربا شرسة، انطلقت شرارتها الأولى بملاسنة بين شابين، أحدهما يقطن بحي الأمير عبد القادر والثاني في قلب المدينة، قرر كل منهما الاستعانة بأصدقائه والالتقاء في وسط المدينة وهي المعركة التي أحدثت الهلع في كل المدينة، واضطرت الضبطية القضائية للأمن الحضري الأول بأمن ولاية قسنطينة للتدخل بقوة لمنع مزيد من الانزلاقات حيث تم توقيف 4 أشخاص، تتراوح أعمارهم ما بين 20 و37 سنة، بتهم متعددة منها تكوين جماعة أشرار، لغرض الإعداد لجنح ضد الممتلكات والأشخاص، وحمل أسلحة بيضاء محظورة من دون سبب شرعي، والتخريب العمدي لملك الغير والإخلال بالنظام العام.
هذه الحرب شارك فيها مجموعة من الشباب بوسط المدينة بدأت بشارع العربي بن مهيدي أو طريق جديدة، حيث تم تحطيم ثلاث سيارات، ثم استقرت بنهج 19 جوان مع نقل المعركة بين الحين والآخر إلى حي القصبة العتيق، واستعمل المتشاجرون مختلف الأسلحة البيضاء من مختلف الأصناف والعصي خربوا خلالها سيارات لمواطنين لا علاقة لهم بالشجار، وأغلقوا الطريق نهائيا بالحجارة والمتاريس، قبل أن تتدخل قوات الشرطة العاملة ميدانيا رفقة الشرطة القضائية، حيث أفضت العملية إلى نقل ستة جرحى إلى المستشفى الجامعي ابن باديس، وتوقيف أربعة أشخاص، وحجز أسلحة بيضاء من سكاكين وسيوف وقارورات غاز مسيلة للدموع.
فظاهرة حرب العصابات بدأت تتأصل في بنية المجتمع و تمس شريحة تعتبر مستقبل الجزائر، فعندما ينخرط الشباب و الأطفال و في هذه الحروب الوهمية التي لها أبعاد نفسية و اجتماعية خطيرة، لا تصبح مرتبطة بعناصر هذه العصابات فقط، بل تهدد السلم الاجتماعي و الأمني النفسي و كل المؤسسات، مما يتسدعي تدخلا عاجلا من طرف المختصين في هذا المجال لمقاربة الظاهرة و أبعادها، فالمقاربة الأمنية وحدها لا تكفي للحد منها.