بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الـمعالي، السيدات والسادة الوزراء،
السيد الأمين العام لـمنظمة الدول الـمصدرة للنفط (أوبك)،
السيد الأمين العام لـمنتدى البلدان الـمصدرة للغاز،
السيد الرئيس الـمدير العام لشركة سوناطراك،
السادة مسيرو وممثلو الـمؤسسات،
ضيوفنا الكرام،
سيداتي، سادتي،
يطيب لي، باسم فخامة السيد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي تكرّم برعاية هذا المؤتمر، وباسم الحكومة وأصالة عن نفسي، أن أرحب ترحيبا حارا بضيوفنا الكرام الذين شرّفونا بمشاركتهم في هذا اللقاء المخصص لمناقشة مستقبل الطاقة في الجزائر.
إن الحديث عن مستقبل الجزائر الطاقوي معناه التطرق إلى الوسائل المتاحة لبلدي ليواصل مساره في مجال التنمية والتنوع الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، ذلك أن المحروقات لازالت تساهم بنسبة 40 بالمائة في مداخيل ميزانية الدولة، وأكثر من 90 بالمائة في المداخيل الخارجية للبلد.
أهنئ إذا الشركة الوطنية سوناطراك على تنظيم هذا الحدث الهام، وأشكر كل الذين ساهموا في انعقاده.
إن حضوري معكم اليوم دليل على الاهتمام الخاص الذي توليه الحكومة الجزائرية لجلساتكم. كما يتيح لي فرصة التطرق معكم إلى المؤهلات والتحديات والمساعي التي ينبغي أن تتعاطى معها الجزائر لتعزز قدراتها ودورها في مجال الطاقة.
أصحاب المعالي، سيداتي، سادتي،
لقد ظلت الجزائر منذ استعادة استقلالها، في صدارة البلدان بخصوص القضايا المتعلقة بالمحروقات. والأمر كذلك لدى منظمة البلدان المصدرة للنفط. ودأبت على ذلك من خلال مساهمتها في صناعة المحروقات ولاسيما في مجال الغاز الطبيعي المميع. وكانت في السنوات الأخيرة أيضا في الطليعة عندما تعلق الأمر باتخاذ البلدان المنتجة للنفط مبادرات تهدف للحفاظ على مداخيلها في سوق عالمية ظلت عرضة لتقلبات لا متناهية.
وكان لهذا الالتزام المستمر في جبهة المحروقات، أن مكن بلدي من تمويل تنمية متسارعة، لكن ولسوء الحظ، عرقلت هذا المسار في الماضي القريب صدمتان كبيرتان.
تمثلت الأولى في سقوط أسعار النفط في ثمانينات القرن الماضي، عقبه اختناق شديد فرضته علينا الديون الخارجية. وكانت الصدمة الثانية الاعتداء الإرهابي الذي قاومته الجزائر خلال عشرية كاملة، قبل أن تنتصر عليه بفضل كفاحها وبفضل اختيارها المصالحة الوطنية.
أما اليوم والحمد لله، فإن الجزائر التي ترحب بكم ضيوفنا الكرام، تملك مؤهلات هامة، أذكر منها :
منشآت قاعدية لا نظير لها في إفريقيا،
تنمية بشرية حققت أهداف الأمم المتحدة، يترجمها تسجيل حوالي مليوني (2) طالب في خمسين (50) جامعة،
تنمية صناعية تشق طريقها في العديد من القطاعات، ومنها قطاع المحروقات الذي سجل أكبر نسبة من التقدم،
سوق بأربعين (40) مليون نسمة، مع تحقيق نسبة تقارب 100 بالمائة في مجال ربط المنازل بشبكة الكهرباء، وتقريبا 60 بالمائة بشبكة الغاز الطبيعي، مع حركية نمو مافتئت تتعزز في هذا المجال، قدرة هامة على الوفاء بالديون الخارجية، مع ديون خارجية تقدر بأقل من 3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، واحتياطي صرف يمكّن من تغطية الواردات لمدة 20 شهرا.
أصحاب المعالي، سيداتي، سادتي،
ضيوفنا الكرام،
تملك الجزائر أيضا مؤهلات طاقوية هامة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
أ ـ احتياطات مؤكدة من المحروقات التقليدية تقدر بـ 4000 مليار طن مقابل نفط، ثلثين (2/3) منها عبارة عن غاز،
ب ـ حقل منجمي مساحته 1,5 مليون كلم مربع، ثلثين (2/3) منه تقريبا لم يتم استغلاله بعد، ج ـ احتياطات هامة من الموارد الطاقوية غير التقليدية، صنفتها الوكالات المختصة في المرتبة الثالثة عالميا،
د ـ امكانات هائلة من الطاقات المتجددة ولاسيما الشمسية،
هـ ـ وتُعرف الجزائر في الأخير بقربها الجغرافي من الأسواق الأوربية التي تربطها بها أنابيب الغاز إضافة إلى أنها تملك طاقات معتبرة لتمييع الغاز الطبيعي وإيصاله إلى مناطق بعيدة.
ومع ما تم ذكره من مؤهلات، يتميز بلدنا بسياسة طاقوية تحرص حرصا كبيرا على حماية البيئة. فالجزائر التي انضمت إلى الالتزامات المنبثقة عن الندوة الدولية حول التغيرات المناخية وإلى مبادرة البنك العالمي للقضاء كليا على حرق المشتقات النفطية في آفاق 2030، تعمل منذ سنوات وعلى حسابها الخاص، على الحد من حرق الغاز حيث خفضت نسبته من 12 بالمائة إلى 3 بالمائة.
علاوة على ذلك، صيغت سياستنا الوطنية الخاصة بتعميم توزيع الغاز الطبيعي، بطريقة تضمن عدم استعمال أي منزل للطاقات الملوثة، حرصا على حماية الغابات والحفاظ على البيئة. وتدعمّ هذه الجهود أيضا من خلال تحفيز المواطنين على استعمال غاز النفط المميع كوقود نظيف للسيارات.
أصحاب المعالي، سيداتي، سادتي،
ضيوفنا الكرام،
تنوي الجزائر تطوير قدراتها الانتاجية في مجال الطاقة للاستجابة لحاجيات تنميتها الوطنية، وأيضا للمساهمة أكثر في تزويد السوق العالمية.
فعلى الصعيد العالمي، وبعدما تضاعف الطلب على الطاقة في السنوات العشرين الأخيرة، ينتظر أن يتضاعف مرة أخرى في آفاق 2040، في حين أننا نسجل انخفاضا سريعا في احتياطات الطاقات المتحجرة التي ستنفد لا محالة مع نهاية هذا القرن إذا استمر الاستهلاك على وتيرته الحالية. ومن جهة أخرى، يواجه كوكبنا خطر كبير يهدد مناخه، وعليه ينبغي لنا التفكير في تثمين استعمال الطاقات النظيفة على غرار الغاز الطبيعي والطاقات المتجددة.
وستشهد الجزائر من جانبها ارتفاعا في طلبها الداخلي بنسبة 20 بالمائة في آفاق 2040، في حين أن حاجياتنا من المداخيل المنتظرة من المحروقات ستبقى هامة لمواصلة مسار تنمية البلد.
تلكم هي التحديات التي يعتزم بلدي رفعها بمساعدة شركائه الخارجيين، من خلال مسعى يرتكز على أربعة محاور.
أصحاب المعالي، سيداتي، سادتي،
يتمثل المحور الأول في تجديد مواردنا الطاقوية وتنويعها:
ويتعلق الأمر أولا برفع قدراتنا الانتاجية في مجال الطاقات التقليدية من خلال استكشاف أوسع للحقل المنجمي الذي ينبغي أن يمتد إلى شمال البلد بما في ذلك إلى فضاءنا البحري.
ويتعلق الأمر أيضا بتثمين مواردنا الطاقوية غير التقليدية التي تعتبر هامة، على أن نحرص كل الحرص خلال التنقيب والاستغلال على الحفاظ على البيئة. كما سينجر عن تثمين مواردنا الطاقوية غير التقليدية، تطوير المناخ المحلي في مجال الصناعة والخدمات، مما سيسمح بتوفير عشرات الآلاف من مناصب الشغل لشبابنا.
ويتعلق الأمر في الأخير بتشجيع استغلال الطاقات المتجددة، وهو المجال الذي سطرت فيه الجزائر برنامجا طموحا، وستشرك فيه شركة سوناطراك لتعبئة الشركاء الأجانب في مجال الانتاج وأيضا في مجال بناء صناعة محلية للمدخلات الضرورية. وتسعى الحكومة للمضي قدما في معركة الطاقة الشمسية المتجددة، كما مضت قدما وبنجاح في السابق في معركة تحلية مياه البحر. وستجند لذلك كل ما أوتيت من وسائل الدعم والتحفيز الضرورية.
و يخص المحور الثاني تطوير آفاق جديدة لإنتاج الطاقة:
تُبذل حاليا جهود كبيرة في هذا الشأن، وستعزز مستقبلا لرفع طاقات أنابيبنا الغازية على نقل هذه المادة نحو أوربا. وسنسعى أيضا على المديين المتوسط والبعيد إلى ترقية تصدير الطاقات الشمسية إلى جيراننا بما فيهم الأوربيين.
و يعتمد المحور الثالث على تطوير الصناعة البتروكيماوية بعد إنتاج المحروقات:
و يعدّ ذلك هدفا استراتيجيا بالنسبة للجزائر التي تنوي المساهمة في ترقية صناعات عديدة أخرى بدأت تنشأ في البلد.
وأشيد في هذا الصدد بالشراكة التي أبرمت مؤخرا بين سوناطراك وشركة توتال بهدف بناء مركب لإنتاج مادة البوليبروبيلان. وستدعم الحكومة تطوير الصناعة البتروكيماوية مع كافة المزايا التي يمنحها قانون الاستثمار.
أما المحور الرابع والأخير فيتلخص في تحسين إنتاجية أداتنا الوطنية وفعاليتها في مجال صناعات المحروقات:
ويتعلق الأمر باللجوء إلى التقنيات الأكثر تطورا، وبتحسين أداء المؤسسات. وفي هذا الصدد تدعم الحكومة مخطط تحديث شركة سوناطراك، الذي سيعرضه مسيروها عليكم بشكل أفضل.
من جهة أخرى، تعمل الحكومة جاهدة على تحيين القانون الخاص بالمحروقات الذي سيكون جاهزا بعد بضعة أشهر، والذي يهدف إلى تحسين جاذبية الاستكشاف والاستغلال في القطاع المنجمي.
وبطبيعة الحال، فإن تحسين مناخ الأعمال العام بالجزائر يخضع لبرنامج عمل تعكف عليه الحكومة في عدة اتجاهات.
أصحاب المعالي، سيداتي، سادتي،
ضيوفنا الكرام،
إن ندوتكم هذه تتيح لبلدي فرصة إبراز قدراته الطاقوية، ومن ثمة تكثيف الاهتمامات الخارجية التي تعتبر هامة في هذا المجال.
وقد حرصت من خلال كلمتي هذه على أن أوجه لكم وللرأي العام الجزائري أيضا رسالة تبعث على الطمأنينة والأمل.
كما إنها رسالة طمأنينة موجهة لباقي العالم من طرف بلد يبني مستقبله الخاص، في جو تطبعه روح الشراكة والوفاء بالالتزامات والمساهمة في بناء عالم يسوده السلم والانسجام والتعاون، عالم نود أن نساهم في بنائه بمساعدتكم ضيوفنا الكرام، في إطار شراكات تعمّ بالفائدة على الجميع.
وهي في الأخير رسالة أمل تجاه أبناء وطني، الأمل في أن الجزائر التي بات يتحقق بناؤها وتطورها تحت قيادة فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تملك من المؤهلات ما يمكنها من تحقيق طموحها إلى التقدم والرفاه لفائدة جميع مواطنيها، طموحها إلى العمل وإلى مستقبل واعد لشبابها.
أشكركم على كرم إصغائكم.