في حوار مع جريدة الشروق، اليوم الإثنين،تزامنا مع زيارته التي تبدأ اليوم إلى الجزائر، ركز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ، على عُمق العلاقات الثنائية وأهميتها بين البلدين في عديد المجالات والقطاعات، ويفتح ملفات مختلفة، تخصّ التاريخ المشترك، والتعاون الاقتصادي والتجاري والأمني والثقافي، إلى جانب الإجراءات المرتبطة بالتأشيرة والاستثمار، كما يتطرّق الرئيس التركي في حواره، إلى سبل الارتقاء بالعلاقات وتطويرها بين الجزائر وتركيا، وإلى أزمة النفط، وأيضا الوضع في سوريا والحلول الممكنة لوقف الحرب، وكذا العلاقات التركية الأمريكية، والروسية، وملفات أخرى، و فيما يلي نص الحوار :
كيف ترون مستقبل العلاقات التركية الجزائرية مع الأخذ بعين الاعتبار العلاقات التاريخية المتجذرة بين البلدين؟
إن الجزائر دولة صاعدة وتُعد نصبًا للاستقرار في منطقة تشهد اضطرابات مستمرة، علاوة على ذلك فإن الجزائر تلعب دورًا أساسيا في تحقيق الأمن والاستقرار، نحن نثق باقتصاد الجزائر، بناءً على ذلك هناك ما يقارب 1000 شركة تركية تعمل في الجزائر حاليًا.
ولدينا أيضًا تاريخ وبطولات وتراث ثقافي مشترك مع الجزائر، انطلاقًا من ذلك نأمل أن تكتسب علاقتنا زخمًا خلال زيارتي هذه، كما سنقترح تعميق التعاون بين بلدينا في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية، فضلًا عن مجالي الطاقة والأمن.
هناك إمكانات كبيرة لدى كلا البلدين، ما الذي يمكن عمله لأجل الاستفادة من الطاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين للارتقاء بالعلاقات إلى أعلى المستويات؟
تعد الجزائر من أكبر شركائنا التجاريين في إفريقيا، كما تعتبر الشركات التركية من أكبر المستثمرين الأجانب في الجزائر بمجموع استثمارات يبلغ حجمها 3.5 مليار دولار، كما أن السلطات الجزائرية نفسها تفيد بأن الشركات التي توفر أكبر قدر من فرص العمل في الجزائر هي شركات تركية أيضا.
وأعتقد أن علاقاتنا الاقتصادية بأبعادها المتعددة، والتي تضم مجالات التجارة والاستثمار والمقاولات والسياحة والسياحة الصحية، ستشهد تطورا أكثر خلال الفترة المقبلة.
هذا، ومن أجل الاستفادة من طاقاتنا التجارية والاستثمارية بين بلدينا بأكبر قدر ممكن، علينا أولًا أن نعدّ الاتفاقيات الأساسية اللازمة لذلك. ولا شك أن اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة التي بقيت قيد التفاوض لفترة طويلة بيننا، ستشكل خطوة هامة في حال إبرامها.
ومن ناحية أخرى، ندرك كذلك التحديات الاقتصادية التي تواجهها الجزائر نتيجة انخفاض أسعار الطاقة، ونحن على استعداد لتقديم الدعم اللازم من أجل تجاوز هذه المشكلة، وفي الوقت نفسه يتعين علينا تجنب الخطوات التي من شأنها أن تعيق النمو التجاري بين بلدينا.
ومن ذاك، فإن فرض نظام الحصص وطلبات الترخيص على السلع المستوردة من قبل الجزائر، تؤثر بشكل سلبي في علاقتنا التجارية، كما أن هذه الإجراءات تؤدي إلى استيراد المنتجات التي تحتاجها الجزائر من الاتحاد الأوروبي بدلًا من تركيا بتكلفة أعلى، وذلك استنادًا إلى اتفاقية التجارة الحرة المبرمة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.
نحن مستعدون لتوفير هذه السلع بتكلفة أقل وبجودة عالية. لذا فإن إلغاء هذه التدابير بأسرع وقت ممكن سيساهم بشكل كبير في زيادة حجم التبادل التجاري بين بلدينا.
متى يمكن التنقل بين البلدين بحريّة من دون الحاجة إلى تأشيرة دخول؟
لدينا نظام مرن في منح التأشيرات للمواطنين الجزائريين، حيث يمكنهم الحصول على بطاقة التأشيرة بكل سهولة وفي وقت قصير من خلال الاتصال بالمراكز الأولية.
وإضافة إلى ذلك، وباستثناء فئة عمرية محددة، يمكن الحصول على تأشيرات إلكترونية، وتأشيرات سياحية وصحيّة من خلال الاتصال بالوكالات المخولة. ومن جهة أخرى، يمكن لرجال الأعمال الجزائريين الحصول على تأشيرات دخول طويلة الأجل من دون الحاجة إلى تلقي رسائل دعوة.
طالما أن نظام منح التأشيرة للمواطنين الجزائريين في تركيا على هذا النحو، فنحن نأمل من السلطات الجزائرية بأن تتبع نظام منح تأشيرة أكثر مرونة حيال مواطنينا وعلى رأسهم رجال أعمالنا.
وبطبيعة الحال فإن مثل هذه التسهيلات من شأنها أيضا أن توفر عوائد كبيرة للسياحة الجزائرية.
في ظل الاضطرابات بمنطقة الشرق الأوسط، وفي هذه الأيام التي تشهد تقاطع المصالح حينًا وتضارب المصالح حينًا آخرَ، كيف ترون العلاقات التركية الأمريكية؟ وفي الوقت ذاته كيف تقيّمون العلاقات التركية الروسية؟
الولايات المتحدة هي من أقدم حلفائنا في الواقع، لكننا بدأنا نختلف معها في بعض الملفات في الآونة الأخيرة، وبعض هذه الخلافات عميقة مثل موضوع الحل للأزمة السورية وطريقة مكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي. وكل ما نريده من الولايات المتحدة الأمريكية أن تقف إلى جانبنا في المسائل التي تمس أمننا القومي وعدم التعاون مع أعدائنا.
يجب على الولايات المتحدة الأمريكية، أن تدرك جيدا أن تركيا هي الشريك الأكثر موثوقية في المنطقة، ومن الخطإ الفادح أن يتم الاعتماد على منظمات إرهابية من قبيل “بي كي كي” و”بي واي دي” و”اي بي جي” في محاولة إحلال السلام والاستقرار الدائمين.
كما أن زعيم تنظيم غولن الإرهابي الذي قام بمحاولة انقلابية في تركيا، التي أدت إلى استشهاد 251 مواطن تركي وقام بقصف العديد من مؤسساتنا الحكومية، ما يزال في إدارة هذا التنظيم الإرهابي وتوجيهه بكل حرية، إذ لم يتم اتخاذ أي خطوة بحق هذا الشخص على الرغم من كافة المعلومات والوثائق التي قدمناها لهم في هذا الصدد، لا يمكن أن نقبل بذلك، ونطالب الولايات المتحدة بتسليم غولن إلينا.
مما لا شك فيه أن الحوار مستمر بين البلدين على أعلى مستوى، ونعتقد أننا سنتغلب على هذه المشاكل بالحوار المتبادل، وكانت الزيارات التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون ومستشار الأمن القومي ماكمستر إلى تركيا مفيدة جدا في هذه المرحلة.
أما ما يتعلق بتركيا وروسيا، فهما دولتان كبيرتان تعيشان جنبًا إلى جنب منذ ألف عام، وتقعان في قلب الرقعة الجغرافية الكبيرة التي نطلق عليها اسم أوراسيا، واليوم تعد روسيا واحدة من أهم الشركاء التجاريين لتركيا، حيث يتجاوز حجم التجارة بين بلدينا 20 مليار دولار.
علاوة على ذلك، يجمعنا بها تعاون وثيق في العديد من المجالات، بدءًا من السياحة ووصولًا إلى الثقافة والطاقة، في الوقت الراهن، ننفذ معها مشاريع بمليارات الدورات مثل محطة “آككويو” النووية وخط أنابيب الغاز “السيل التركي”.
إلى جانب العلاقات الثنائية، يجمعنا حوار مكثف مع روسيا بشأن القضايا الإقليمية، حيث نتخذ خطوات مشتركة من أجل وضع حد للمعاناة في منطقتنا، هذه العلاقة لا تعني بالضرورة أننا نتفق مع موسكو في جميع القضايا. لكن حسَب وجهة نظرنا، نترك القضايا التي نختلف فيها لتناولها في منصات مناسبة، ونتعاون في القضايا التي نتفق عليها، حيث نعتزم المضي قدمًا بعلاقاتنا مع روسيا في إطار هذه الرؤية الاستراتيجية خلال الفترة المقبلة.
الأزمة السورية تدخل عامها السابع، والشعب السوري يعيش معاناة كبيرة جدًا، هل يمكنكم تقييم أثر الأزمة السورية على تركيا من الناحية الأمنية؟ وهل يمكننا أيضًا أن نعرف اقتراحاتكم وطلباتكم حول كيفية إنهاء هذه الأزمة؟
النزاع الدائر في سوريا كان له أثر كبير على تركيا، وخاصة من حيث الأبعاد السياسية والبشرية والأمنية.
وقد شكلت المنظمات الإرهابية مثل داعش والنصرة و”بي كي كي” و”بي واي دي” و”اي بي جي” تهديدًا مباشرًا على أمننا القومي، لاسيما بعد أن اكتسبت خبرة قتالية في ساحات المعارك إلى جانب تلقي دعم خارجي. كما أن امتلاك النظام السوري الأسلحة الكيميائية مصدر قلق آخر بالنسبة لنا.
تركيا أطلقت عملية درع الفرات ثم عملية غصن الزيتون لردع التهديدات الإرهابية النابعة من سوريا، والحمد لله عملية غصن الزيتون مستمرة بنجاح كبير. كما أننا نتعامل بكل حذر بغية أن لا نلحق الضرر بالمدنيين في المنطقة، وسنواصل عملياتنا العسكرية حتى يتم تطهير المنطقة بالكامل من العناصر الإرهابية.
تركيا اليوم تحتضن 3.5 مليون سوري ورفعت سقف معايير التعامل مع اللاجئين على الصعيد الدولي، وذلك بفضل الإمكانات التي توفرها لهم، في وقت نرى فيه العديد من البلدان الأوروبية والإقليمية قد تركت هؤلاء السوريين لمصيرهم خلف الجدران الأمنية.
وبالإضافة إلى ذلك، تركيا لم تتوانَ عن التضحية بإرسال قوات عسكرية إلى سوريا من أجل الحد من الصراعات وضمان السلام فيها، كما أن القوات المسلحة التركية أنشأت نقاط مراقبة في 6 مواقع ضمن مناطق خفض التوتر في إدلب، كما نواصل العمل لإنشاء نقاط إضافية.
ونحن في الواقع، ومنذ البداية ندعم جميع الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وقد ساهمنا في مسار جنيف بشكل فعال، كما أننا نعمل مع الأطراف المعنية في سوتشي وأستانا من أجل إيجاد أرضية مساندة لجنيف.
والحل يكمن في اتباع خارطة الطريق التي وردت في قرار الأمم المتحدة رقم 2254. وإذا ما اتبعها النظام السوري أيضا فإن الأزمة السورية ستنتهي، وكل جهودنا تنصب أساسا في تحقيق ذلك.
ومن ناحية أخرى، استمرار الأزمة، يعني استمرار تلك المأساة الإنسانية، وكلنا نرى ما يجري في غوطة الشرقية أمام أعين العالم، حيث تحول ما يجري في المنطقة إلى مجازر، وإن لم يتم إيقاف ذلك فإننا سنرى وقائع جديدة من قبيل غوطة الشرقية، وتركيا مستعدة للقيام بما يتوجب عليها لإنهاء هذه المأساة الإنسانية.
أريد أن أؤكد هنا على أننا لا نطمع في أراضي أي أحد، ومثلما نفتخر بالنجاحات التي حققتها الجزائر فإننا نشعر بالفخر أيضا حين نرى الاستقرار والازدهار والنجاحات لدى إخوتنا العرب، ثم إن جميع مكونات الشعب السوري تربطنا بهم علاقات القرابة والأخوة، وأحد مساعينا نحو سوريا هو تخييب آمال من يستهدف الوحدة الترابية لها. ونتطلع أيضا إلى دعم الجزائر في هذا الخصوص.
ما هي أبعاد انعكاس الروابط التاريخية بين البلدين على المجالات الثقافية والفنية؟
نولي أهمية كبيرة لتطوير علاقاتنا مع الجزائر في المجالات الثقافية والفنية وبتمتين الأرضية القانونية للتعاون بيننا، وذلك في ضوء تاريخنا المشترك الذي يمتد لقرون طويلة.
كما أن الجزائر ترحب دائما بجميع الفعاليات الثقافية التي نعتزم إقامتها على أراضيها، مثلما شهدنا ذلك بمناسبة إحياء مرور 500 سنة عن قدوم شقيقين بربروسيين إلى الجزائر، وتمت المبادرة في هذا الإطار للتوقيع على “بروتوكول التعاون لتعزيز التراث الثقافي المشترك”.
كما يتم تنفيذ مشاريع الترميم بالتعاون بين وزارة الثقافة الجزائرية ووكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) لصون تراثنا الثقافي المشترك. ولعل جامع كتشاوة يعتبر أحد أجمل الأمثلة على ذلك.
هذا، ومن ناحية أخرى نوفر إمكانية التعليم للطلاب الجزائريين في تركيا منذ عام 1992 من خلال المنح الدراسية المخصصة لهم. ونحن نؤمن بأن هذا المجال من شأنه أن يؤسس أرضية سليمة للتقارب بين الأجيال الشابة وأن يساهم في تعزيز علاقات الصداقة الممتدة من التاريخ.