إن المتتبع للشأن النقابي و السياسي يقف عاجزا عن فهم العلاقة بين السياسة و النقابة، ففي وقت من المفترض أن تعطي النقابة للسياسة مسافة، نظرا لخصوصيتها المطلبية الاجتماعية، و لكونها وسيلة ضغط مجتمعي مؤسساتي، فإذا بنا نجد النقابة تتغزل بالسياسة، و عوض أن نجد بيانات تطالب السياسي بتحقيق مطالب اجتماعية، فإننا نجد بيانات للتغزل بالسياسة و السلطة، و المثال هنا، عندما وجه الإتحاد العام للعمال الجزائريين لائحة “وفاء وتأكيد دعم و ثقة” لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، أعرب له من خلالها عن “عظيم عرفانه” لما قدمه للجزائر و “افتخاره” لثباته على المبدأ و العهد و بقيادته الرزينة للبلاد.
و من خلال هذه اللائحة التي نشرت اليوم الاثنين، عبر أعضاء اللجنة التنفيذية الوطنية للإتحاد العام للعمال الجزائريين و الإطارات المجتمعة بولاية الجلفة التي احتضنت الاحتفالية الرسمية للذكرى المزدوجة لتأسيس الإتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات، عن ثقتهم في شخص رئيس الجمهورية مثمنين محتوى رسالته بذات المناسبة و التي شدد فيها على ضرورة ضمان مستقبل أحسن للبلاد.
و ذكر الإتحاد في هذا الإطار بجهود الرئيس بوتفليقة في إنقاذ البلاد من “الغرق في بحر الدماء و الفتنة و التنافر” و بإنجازاته التنموية التي “نزلت شفاء على أنفس أبناء الشعب الجزائري” في كل المجالات.
ففي المجال الاقتصادي، ثمن الاتحاد “الانحياز الدائم” لرئيس الجمهورية للعمال و “حرصه الثابت” على إشراك المنظمة في الحوار الوطني مع الحكومة و أرباب العمل، فضلا عن الحرص الشديد على “تجسيد التكافل الاجتماعي و مبدأ حماية القدرة الشرائية” المجسد في قانون المالية الذي وقعه مؤخرا.
كما أشاد الاتحاد أيضا ب”الحرص اللافت” الذي يبديه الرئيس بوتفليقة تجاه المؤسسة الاقتصادية و تطوير و تفعيل قدراتها الانتاجية و التنافسية، مما يشكل “منهجا قويما للحد من الاستيراد مع تشجيع استهلاك المنتوج الوطني و تسويقه عن طريق القرض الاستهلاكي”، ليجدد في هذا السياق وقوفه مع هذا “المنهج القويم”.
و في ذات المنحى، أكد الاتحاد العام للعمال الجزائريين تأييده ”المطلق” لرئيس الجمهورية في مساعيه ل”تجميع القوى و شحذ الهمم من أجل اقتصاد وطني متحرر من التبعية, اقتصاد تنافسي يمكن من تحقيق عائدات بالعملة الصعبة تغطي احتياجات البلاد التنموية و الاجتماعية بكل سيادة”.
و من جهة أخرى, أبرز الاتحاد أيضا دعمه للتوجه الذي يقوده الرئيس بوتفليقة و الهادف إلى “إرساء الدولة المدنية الحديثة المرتكزة على الحكامة و الديمقراطية التشاركية من خلال إصلاح مؤسسات الدولة”.
و أكد التنظيم النقابي في لائحته من هذا المنطلق، “ساندنا بكل عزم و اعتزاز كل مباداراتكم العارفة بمقتضيات الحال و منها تعديل الدستور لما فيه من قراءة حقيقية لضروريات المرحلة المقبلة لا سيما ما تعلق بتحصين الذات (…) و تكريس الحريات الفردية و الجماعية و تعميق الديمقراطية و حقوق المعارضة”.
أما على الصعيدين الإقليمي و الدولي، فقد جدد الاتحاد وقوفه الدائم إلى جانب رئيس الجمهورية في مساعيه الحميدة “من أجل أن تلعب الجزائر دورها الرائد الفاعل في إنهاء الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد في الدول العربية و إفريقيا، خاصة دول الجوار” و ذلك عن طريق “الحوار و تغليب مصلحة الأوطان و المنطقة على الحسابات الضيقة للأشخاص و الجماعات”.
و في سياق ذي صلة، أشار التنظيم النقابي إلى المساعي التي قام بها رئيس الجمهورية تجاه القارة السمراء من خلال تقديم المساعدات و مسح الديون و غيرها و هو ما جعل رؤساء دولها و حكوماتها ينتخبونه بالإجماع خلال قمتهم بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا نائبا لرئيس الاتحاد الإفريقي.
أمام هذا المنعطف الخطير في توجهات النقابة نطرح سؤالا شقيا : إذا فقدت النقابة جوهرها المطلبي و راحت تتغزل بالسياسة و السلطة، فمن سيقف في وجه السياسة و السلطة عندما تطغى على مطالب الطبقة الشغيلة و تصادرها؟