يحكى أنه في زمن الحروب مع الفرس ارتفعت الأسعار بشكل مهول وخاصة اللحوم فذهب الناس إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقالوا غلا اللحم يا خليفة المسلمين فسعره لنا فقال لهم أرخصوه أنتم ؟ فقالوا نحن نشتكي غلاء السعر واللحم ونحن أصحاب الحاجة فتقول لنا أرخصوه أنتم ؟ وهل نملكه حتى نرخصه ؟وكيف نرخصه وهو ليس بأيدينا ؟ فقال لهم اتركوه لهم أي رخصوه أي لا تشتروه.
اجتهد المناضلون الأحرار في الحديث عن موجة الغلاء وتضخم الأسعار المستمر وتراوحت الاقتراحات المطروحة بين رفع رواتب الموظفين والعمال وفك ارتباطنا بالدولار والأورو إلى محاسبة التجار وإلقاء اللوم على الحكومة. وهذه جميعها عناصر مهمة بالتأكيد ولكنهم تجاهلوا أقوى ورقة في اللعبة يملكها المواطن نفسه. فالمواطن هو المستهلك الرئيسي للسلعة والجهة التي تملك خيار دفع أو عدم دفع النقود فحسب قوانين العرض والطلب يرتفع ثمن السلعة المرغوبة والتي تلقى طلبا أكثر في حين ينخفض ثمن السلعة الكاسدة أو التي لا تلقى طلبا كبيرا وهذه المعادلة البسيطة تجعل المواطن نفسه شريكا في موجة الغلاء والتضخم بسبب إقباله على السلع الأغلى ثمنا وعدم مقاطعته لها خصوصا في ظل توفر بدائل أخرى فحين يتوقف المواطن عن شراء سلعة معينة يرتبك السوق ويدخل التاجر والمصدر والمُصنع في حالة طارئة فلو تأملنا مثلا حال السلع الغذائية ولن أتحدث عن اسم أو ماركة معينة (لنأخذ على سبيل المثال الحليب) لوجدنا أن لمعظمها تاريخ انتهاء معيناً لن يتحمل التاجر أو الصانع تجاوزه على الرفوف وحين يصر المواطن على موقفه لفترة كافية لا تجد بقية الأطراف حلا غير تخفيض السعر لتصريف البضاعة وحين يتحول لدينا هذا الإصرار إلى ثقافة سنساهم في رسم خطوط حمراء لن يفكر أحد في تجاوزها مجددا فما أدعو إليه صراحة هو مقاطعة جماعية للسلع والخدمات التي رفعت أسعارها وبهذه الطريقة لن يجد الصانع والتاجر حلا غير التراجع عن آخر زيادة قبل أن تبور السلعة لديهم.
يملك المواطن سلاحا جديدا وفعالا يستطيع به التحكم بزمام اللعبة ومقاطعة السلع والمراكز الأكثر غلاء والإقبال على السلع الأقل ثمنا والمراكز الأكثر اعتدالا وفي المستقبل لا أجد مانعا في ظهور مجلة أسبوعية تتخصص بأخبار المقاطعة ومؤشرات السلع وتوعية المستهلكين بمكونات وسلامة المنتجات الجديدة ومثل هذه المجلات منتشرة في الدول الغربية وتصدر قائمة شهرية بآخر الحملات الجديدة والتي انتهى الغرض منها ومن الشركات الكبرى التي تعرضت لحملات مقاطعة مؤثرة شركة كوكاكولا وشركة الاتصالات الأمريكية وجنرال إلكتريك ومطاعم ماكدونالدز. مرة أخرى أعود وأؤكد بأن الورقة الأقوى ما تزال بيد المستهلك الذي يملك خيار التحكم في الأسعار.