يحكى أن في الخمسينيات والستينيات كان بائع الحليب يأتي في الصباح وهو يقود عربة يجرها حماره وهي مخصصة للحليب وكان يقف أمام المنازل ويطرق الأبواب وكان البائع يعرف ما يحتاجه كل منزل وكان يقبض النقود مع بعض الزبناء حتى أخر الشهر ولم تكن أي أسرة تعاني من مشاكل في استهلاك الحليب .
تشهد بلادنا في الوقت الراهن ندرة حادة في الحليب السائل المباع في أكياس بلاستيكية في المتاجر لتبدأ معها أزمة خانقة وهذا الوضع يدفع كثيراً من المواطنين إلى الاستيقاظ باكراً للحصول على كمية من الحليب أو تسجيل أسمائهم لدى المتاجر حتى تترك لهم حصتهم أو الانتظار في طوابير طويلة لشراء كيس أو كيسين في رحلة متكررة فالطابور الشهير للحليب هذه الأيام أصبح مستفزاً ومثيراً للتساؤلات عن مدي التراجع الذي نعيشه في ظل هذه الحكومة العجيبة والتي لا يصيبها الأرق ولا الخجل ولا أي إحساس بالذنب من طوابير الحليب.. ومنذ عدة أيام وأنا في طريقي إلي العمل شاهدت طابوراً طويلا جدا وفي العودة تعمدت أن أمر من نفس الطريق فوجدت الطابور كما هو لم ينقص بل ربما ازداد طولاً.. وأخذت أحسب عدد الساعات المهدرة والضائعة من أي عامل أو موظف أو طالب أو موظفة أو ربة منزل في الوقوف اليومي لطابور الحليب وأتوقع أن يكون طابور في المساء أطول وأكثر كثافة وأكثر تشاحنا وشجاراً فالمواطنين يصطافون فى طوابير العذاب والمهانة للحصول على عدد محدد من أكياس الحليب بلاستيكية فساعات طويلة يقتطعها المواطن من عمره يتعرض خلالها لكافة أشكال المهانة والإعياء والإيذاء النفسي والبدني سواء سب وقذف وتعدى وتطورت في بعض الأحيان إلى ارتكاب مشاجرات وإصابات وتحرشات.
وطبعاً لو حدث هذا الطابور في أي بلد محترم كالسويد لكان الوزير الأول يحاكم والحكومة تقدم استقالتها وبما انه وقع في بلادنا لا تستغرب أن تشاهد المسؤولين وهم يطلون علينا في وسائل الإعلام مبتسمين في سعادة وسلام نفسي ويتحدثون عن إنجازاتهم بفخر وإجلال وبدون حياء يسألون المواطنين (علاه راكم تحرقوا وبلادنا خير من السويد).