بينما الأنظمة الديمقراطية تسابق الزمن وتضع ميزانيات ضخمة لاسترجاع الأدمغة المهاجرة بكل الطرق فإن النظام ببلادنا يضع ميزانية ضخمة ويواصل مساعيه لحثيثة مع السلطات الفرنسية من أجل استرجاع جماجم الشهداء المتواجدة بمتحف الإنسان بفرنسا ويقول انه لن يرضى ولن يقبل أن تدفن جماجم هؤلاء الأبطال في أرض غير الجزائر (وفي نفس الوقت يرضى بهجرة الأدمغة وخيرة شباب هذا البلد عبر قوارب الموت) وبالنسبة له هذه القضية هي قضية مصيرية لكل الجزائريين !!!.
من أبرز المشكلات والظّواهر السلبيّة التي تعاني منها بلادنا موضوع وظاهرة هجرة الأدمغة المفكّرة والمبدعة إلى الدّول والأماكن التي يتوفّر فيها المناخ الملائم لتطوير المعارف ورعاية العقول النابغة وترجمة ذلك في شكل إبداعات أو اختراعات تفيد البشريّة وتنفع النّاس فحسب ما بينته دراسة مشتركة بين مركز البحث في الاقتصاد التطبيقي للتنمية والمنظمة الدولية للعمل أن عدد الأطباء الجزائريين بلغ أكثر من 17 ألف طبيب وأكثر من 14 ألف مهندس من إجمالي أكثر من 95 ألف جزائري يحوزون على مستوى جامعي بفرنسا وهذه الأرقام تدخل في خانة هجرة الأدمغة والكفاءات من البلاد والتي تعد من أهم وأخطر المشاكل التي تواجه بلادنا فبدلاً من الاستفادة من هذه العقول والحفاظ عليها والإعلاء من شأنها نرى الدُول الغربية تُقدم أفضل التسهيلات لكسب هذه العقول والاستفادة منها في بلدانها حيث إنّ أغلب العقول تهاجر بسبب عوامل اجتماعية وثقافية ومادية وسوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية وفي المقابل فإنّ الدُول المُتقدمة تُقدم لهذه الكفاءات العديد من التسهيلات ممّا يشجعهم على الهجرة. ومن بين أهم أسباب هجرة الكفاءات الأوضاع السياسية في البلاد وانعدام الحريات وعجز الحكومات المتعاقبة مند الاستقلال عن خلق مناخ مناسب للكفاءات وإبداعهم وذلك يعود لغياب التخطيط العلمي السليم وغياب التسهيلات التعليمة ثم انخفاض مستوى المعيشة وغلاء الأسعار مقارنة بالرواتب المغرية في الخارج التي تصل إلى أضعاف ما يتقاضاه الفرد في بلادنا ثم عدم إتاحة الفرص والاحتواء والاستفادة من الخبرات والمهارات وغياب الديمقراطيّة في البلاد وتزايد القمع عدم احترام حقوق الإنسان وانتهاكها الفساد السياسي وعدم تقدير الكفاءات بأنواعها العلمية والسياسية وقلة حجم الإنفاق على البحث العلمي في الجزائر وعدم التشجيع عليه إلحاق الكفاءات بأعمال لا تتلاءم مع خبراتهم ومهاراتهم وتخصصاتهم وفي الأخير وجود تفرقة بين خريجي الجامعات الوطنية والجامعات الأجنبية مما شجع على الدراسة في الخارج للحصول على هذه الامتيازات.
يمكن استرجاع الأدمغة المهاجرة عن طريق رسم سياسات اقتصادية وثقافية وسياسية واجتماعية تجذب أصحاب الكفاءات العملية والفكرية والأدبية لخدمة بلادهم ومن المؤسف ذكره أن الجزائر منيت بخسائر تقدر بحوالي 10 مليار دولار في التسعينيات جراء هجرة العقول إلى أوروبا وفي المرتبة الأولى فرنسا وتأتي كندا والولايات المتحدة في المرتبة الثانية فيتواجد 50% من الأطباء و20% من المهندسين في فرنسا والولايات المتحدة وكندا و 75% من الطلاب الجزائريين يدرسون في الخارج ولا يعودون أبداً إلى البلاد وتكمن خطورة هجرة الكفاءات للخارج في التأثير السلبي على واقع التنمية البشرية في الوطن والتمنية الاقتصادية والاجتماعية.