أغلقوا نوافذ بيوتكم إذا ما هبت الريح هذه الليلة إلبسوا ملابس قطنية ستدفئكم بعد أن هبط مؤشر الحرارة إلى أقصى الدرجات وشربوا الحساء الدافئ ليسخن أجسادكم .ولكن هناك إخوة لنا ليست لديهم نوافذ لأنهم يعيشون في الشارع وملابسهم الرثة لا تقيهم البرد القارس ولا طعام لهم سوى ما يجمعونه من القمامة وفي الليل تتضاعف معاناتهم بسبب انخفاض درجة الحرارة إلى أدنى مستوياتها فلا إخوانهم المواطنون يفكرون فيهم ولا الوطن يحس بهم ويؤويهم أما المسؤولون الكبار هم سبب هذه الجريمة.
شبان مشردون وجدوا أنفسهم وجها لوجه مع البرد القارس يتخذون أماكن مختلفة للاحتماء من قساوة المناخ الذي تعرفه البلاد وأطفال وشيوخ ونساء من مختلف الأعمار يبحثون عن دفء يحميهم برد ليالي الشتاء مهما اختلفت أحلامهم فإن ظروف العيش في الشارع توحدهم وتجعلهم يقتسمون نفس الفضاء كلما أسدل ليل العاصمة ستاره على المدينة إلا وبدأ هؤلاء الذين يوصفون بالمشردين والمتسكعين في البحث عن أماكن تقيهم قساوة البرد فروائح كريهة تنبعث من درج أحد أبواب بناية مهجورة وسط المدينة هناك استلقى شخص استعدادا لقضاء ليلة باردة جديدة في العراء. الرجل اعتاد المبيت في هذا المكان بعد أن وضع قطعة كرتون مقوى على الدرج واختفى جسده في معطف أسود قاتم لا يظهر منه إلا وجهه الشاحب وهو يتابع بعينيه المارة بالكاد يفتحهما قبل أن يبتسم في وجوههم ابتسامة المغلوب والمقهور في إشارة استعطافية لعلهم يجودون عليه بما يتيسر من المال أو الطعام وفي هذا وضع لم تتردد إحدى السيدات الغنيات وهي تنزل من سيارتها الفارهة في التعليق عليه قائلة «الله غالب» ربما كان على السيدة أن تستفسر زوجها عن من أوصل هدا الرجل إلى هذه الحالة ومن أكل حقوقه قبل أن تسمع الرجل كلمة «الله غالب». فحالة هذا الشخص لا تختلف عن آخر اتخذ من زاوية في الشارع بالقرب من احد الحانات مكانا يلتحف الكارتون المقوى مفترشا وأقمشة رثة و وسخة وأغطية لا تختلف عنها في الوصف والخصائص وقد تجمدت ملامحه بعد أن أخذ البرد القارس منه الكثير حتى أصبح منهكا لا يقدر على الكلام.وتشكل أبواب بعض المساجد وسلالم بعض العمارات وكذا بعض المنازل المهجورة وحتى مغارة القطار وبعض الساحات العامة والشوارع والأزقة فضاءات يلجأ إليها هؤلاء المشردون لتأويهم حيث يفترشون الكارطون والجرائد وفي أحسن الحالات وأغطية رثة لحماية أنفسهم من قساوة البرد وفي العديد من الحالات يلتحفون السماء في ظل غياب الاهتمام الكافي سواء من طرف الجهات الرسمية أو فعاليات المجتمع المدني للتخفيف من معاناتهم . يعاني هؤلاء المشردون من التهميش والإقصاء المطلق وضعف المساعدات الاجتماعية التي يمكن أن تقيهم قساوة أحوال الطقس البارد التي تجتاح البلاد في ظل غياب مقاربة اجتماعية واضحة تستهدفهم لمساعدتهم على العيش في مؤسسات خيرية وملاجئ قد تكون معدة لهذا الغرض وتوفر الحدود الدنيا من شروط العيش وتنضاف قساودة البرد إلى شظف العيش ليزداد تدهور حالاتهم الصحية وهذا ما يجعلهم أكثر عرضة للأمراض المختلفة ويجعلهم مهددين في صحتهم كما هو الشأن للجثة التي تم العثور عليها لشيخ المسن في أحد شوارع مدينة زرالدة الحدث الذي هزّ المواطنين حيث وجد الشيخ ميتا في زاوية معزولة خلف جدار مهدوم وهو يفترش الأرض مغطى بأفرشة بالية ويرجح أن يكون الشيخ قد لقي مصرعه بسبب البرد الشديد.
يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر ) ولهذا كان المسلمين أعظم أهل الأرض وقتها و يُقال إن عبارة سيدنا عمر قالها مسؤول في بلدية نيويورك بطريقة أخرى فقال ( إذا نفق عصفور في حديقة سنترال بارك لشعرت بالمسؤولية) ولهذا الأمريكان هم الأعظم والأكثر قوة في عصرنا الحديث أما نحن في بلادنا العظيمة لم تتعثر بغلة ولم ينفق عصفور إنما مات إنسان بالبرد في الشارع ولم نرى مسؤول يتحسر .