في كل بقاع الدنيا عندما تفشل حكومة في أداء واجبها وحل أزمات مواطنيها تقدم استقالتها فوراً لا لشيء إلا لأنها تحترم نفسها ومسؤولياتها وتعرف قدراتها وتمتلك حساً سياسياً ورصيداً أخلاقياً يجعلها تعترف بالفشل قبل أن تُجبَر على الاعتراف به ويجعلها تستقيل طواعية دون أن تُفرَض عليها الاستقالة وأكثر ما يدهشني أليس ما ينطبق على حكومات العالم ينطبق على حكومات بلادنا هل من المعقول أن ما يُحرِج حكومات العالم لا يُحرِج حكومات بلادنا خاصة أن تلك الحكومات قد أثبتت فشلها مع كل طلعة شمس ودقة قلب ومعالجة موقف واتخاذ قرار ومواجهة أزمة فلا هي تفعل شيئاً ولا هي تستقيل لتفسح المجال أمام حكومة غيرها كي تفعل شيئاً.
كيف يعقل في زمن القرن 21 ومازالت الحوامل لا تحتفظن عن اليوم الذي وضعن فيه مواليدهن في مستشفيات عمومية إلا بالذكريات السيئة والتي لا علاقة لها بالمخاض الطبيعي ولا حتى الاصطناعي ولا علاقة لها بعسر الولادة وندوب العمليات القيصرية الجسدية والنفسية. هي ذكريات نسجتها معاملة بعض القابلات والأطباء والطبيبات لحوامل واجهن مخاضا عسيرا وزاده عسرا سلوكات بعض ملائكة الرحمة التي تحولت إلى ملائكة الموت. فقد تحولت بعض المستشفيات العمومية خاصة دور الولادة إلى موقع لإخراج أفلام الرعب التي تخرج منها النفساء بتجربة مريرة تنسيها لحظة استقبال مولودها الجدي والنظر في عينيه لأول مرة وهي تسمع عبارات مهينة، نتيجة عدم تحملها آلام المخاض أو رفضها الخضوع لعملية قيصرية لتسريع عملية الولادة. حكايات يرصدها موقعنا من أفواه أمهات عشن كوابيس داخل بعض المستشفيات العمومية.1 ) – كأنها تشخص حالة بقرة وضعت يدها في رحمي بطريقة مؤلمة ومذلة تقول جميلة التي أنجبت مولودها بعد ثلاثة أيام من التردد على مستشفى عمومي قبل أن تحال على مستشفى خاص بمبرر أن ولادتها ستكون عسيرة. تبتلع الأم الشابة ريقها كأنها بذلك تطرد مرارة التجربة التي مازالت تتذوقها ثم تقول بعض القابلات فقدن الإحساس بإنسانية الوافدات عليهن ويتعاملن معهن كأنهن أشياء ولسن أجسادا بشرية هذا طبعا لا يشمل الجميع ففيهن الطيبات أيضا وفيهن اللواتي اكتسبن مناعة ضد الإحساس بالتعاطف وتقاسم لحظة إقبال مولود جديد على الحياة بل منهن من تنتهي من عملها ولا تقول حتى على سلامتك بل تردد كلمات من قبيل أتعبتنا وأزعجتنا بصراخك.2 ) – من البيت إلى المستشفى لثلاثة أيام كانت تشعر فيها ليلى بمخاض عسير هذه المرة الأولى التي أصبحت فيها أما وكنت أعتقد أن التجربة ستكون مميزة حتى أني حملت معي هاتفي الذكي لتصوير مولودي في اللحظة الأولى لخروجه إلى الحياة لكنهم أجهضوا كل فرحتي. ورغم أني سمعت الكثير عن المستشفيات العمومية غير أني لم أتوقع أن أعيش كابوسا تحكي ليلى التي تلقت معاملة سيئة بمستشفى عمومي قبل أن تنقل إلى مستشفى خاص قالت نقلتني أسرتي إلى المستشفى ثلاث مرات وكانت ممرضة تقول لي أزعجتينا مازال لم يحن وقت ولادتك إلى درجة أن زوجي صدق ذلك وطالبني بالتوقف عن مطالبته بنقلي إلى المستشفى إلى حين الموعد الذي حددته الممرضة غير أنه ما أن ركبنا سيارة الأجرة حتى شعرت بماء ينساب من رحمي لنعود إلى المستشفى وكان زوجي هذه المرة غاضبا جدا خاصة أن حراس الأمن الخاص عاملونا بطريقة فظة عوض أن تلد ليلى مولودها في المؤسسة نفسها أحيلت على مستشفى خاص تعمل به أخت إحدى الممرضات وهناك كانت المعاملة أقل سوءا وحتى المؤسسة أفضل من الأولى بكثير رغم أني وضعت عبر عملية قيصرية إلا أن ذلك أرحم من المعاملة السيئة التي لاقيتها في المستشفى العمومي والتي حولت تجربتي إلى كابوس. 3 ) – تجربة حنان ليست أقل مرارة فهي أيضا تحتفظ بذكرى سيئة عن ولادتها بمستشفى عمومي قالت كدت أنجب في الشارع العام نتيجة عدم اهتمام القابلات بي إذ ما أن فحصتني إحداهن حتى أخبرتني أن موعدي لم يحن بعد وما أن قطعت رفقة والدتي مسافة قصيرة حتى شعرت بأوجاع حادة وداهمني المخاض ولحسن الحظ رجعت وأنجبت بعد ساعتين سمعت خلالها عبارات من قبيل نساء أخر زمن ونساء من البلاستيك أثر ذلك في نفسيا بشكل لم أتوقعه غير أني والحمد لله أنجبت دون حاجة إلى عملية قيصرية.
عندنا حكومة عينها الرئيس رغماً عن الشعب وتمسك بها ولم تفعل شيئاً للشعب عندنا حكومة بها وزراء بالاسم يذهبون إلى المكاتب ويجلسون في التكييف ويتقاضون أجوراً مرتفعة ويركبون سيارات فارهة ويحاطون بحراسات ومواكب تكلف ميزانية الدولة عشرات المليارات يصدرون تصريحات ثم يمضى كل منهم إلى سبيله لينام آخر الليل هادئ السريرة مرتاح البال والضمير أما كيف يستطيع النوم ومن أين له الإحساس براحة البال والضمير ونساء وطني الحوامل يعاملن مثل الحيوان وأول شيء يفتح عليه المواطن عينه هو الحغرة والإذلال.