إذا كانت الشعوب والأنظمة تصنع طبخاتها في مطابخها السياسية فهناك قوى عظمى تطبخ هي أيضا طبخاتها السياسية الخاصة يعني أن المطبخ السياسي الجزائري الصغير يوجد داخل مطبخ سياسي كبير تلعب فيه فرنسا دور كبير الطباخين ولذلك فالوصفة التي ستستعملها السلطة في طبختها الجديدة لن تخرج عن الوصفات السياسية التي تطبخها ماما فرنسا للمغرب العربي.
السياسة أشبه بطبخة مكونة من خليط متنوع من المواد الغذائية والبهارات والملونات ومن أجل أن تنضج هذه الطبخة يجب أن تكون موضوعة فوق نار هادئة وأن يكون غطاء الطنجرة منفرجا بعض الشيء لكي تتنفس الطبخة فالسلطة دورُها مثل دور أية خادمة في البيت هو أن تصيخ السمع إلى صفارة طنجرة الضغط وهي تدور وتصفر وتضيف الماء في الوقت المناسب حتى لا تحترق الطبخة. هذا الدوران والصفير الذي يتسرب منه الضغط هو ما نسميه بالاحتجاجات الشعبية والنقابية والحزبية والصحافية التي تموج داخل طنجرة المجتمع وتظهر على السطح. ما حدث سابقا في الجارة تونس هو أن الجنرال «زين العابدين» الذي تحول بين ليلة وضحاها إلى «أبشع الهاربين» أغلق طنجرة الضغط وسد جميع منافذ الهواء ووضع صفارة الإنذار في جيبه. والنتيجة هي أن الشعب عندما نزع الغطاء ونزل إلى الشارع تطايرت شظايا الطبخة في الهواء تماما كما يحدث عندما تفتح «كوكوت مينوت» بعد نصف ساعة على وضعها مغلقة بالكامل فوق النار فتطير الأكلة وتلتصق بسقف المطبخ هذا إذا لم تأخذ معها وجه فاتحها في الطريق. الفرق بين المطبخ السياسي والمطبخ المنزلي هو أن الأكلة عندما تفسد في المطبخ المنزلي يذهب صاحب البيت إلى أقرب محل الأكولات السريعة لإنقاذ الموقف أما عندما تفسد الأكلة في المطبخ السياسي فإن الشعب يخرج إلى الشارع للبحث عن نظام سياسي آخر لكي يطبخ له وجبة سياسية أخرى حسب ما يشتهيه من وصفات. أما الطباخ الفاشل الذي يتسبب في إفساد أو إحراق الطبخة السياسية لبلده فيكون مصيره مثل مصير بنعلي الذي فر من قصره ورفضت فرنسا استقباله كما لو كان جملا أجربَ فانتهى في السعودية التي بررت استقباله بظروفه الخاصة رفعا للعتب مثل أي طباخ فاشل أقال بنعلي وزراءه وجاء يطل على التونسيين عبر شاشة التلفزيون لكي يقول لهم إنه فهمهم لكن الرجل كشف للعالم بأسره أنه لم يفهم شيء فعوض أن يقيل وزراءه وحكومته كان عليه أن يفهم نفسه ويغادر السلطة.
وإلى حدود اليوم نجحت السلطة ببلادنا في شيء واحد فقط وهو رفع مؤشرات جميع الآفات الاجتماعية وعلى رأسها مؤشرات الرشوة والفساد في الصفقات العمومية بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الجزائر إلى درجة أصبح معها الانطباع السائد في الجزائر هو أن هناك سباقا محموما بين المسؤولين العموميين الفاسدين حول من سيسرق أكثر ومن سينهب أكثر ومن سيهرب الأموال إلى الخارج أكثر كل هذا يحدث أمام حياد مريب وتساهل غير طبيعي من جانب القضاء كما لو أن هناك جهات تخطط في السر لنشر «الفوضى» وتقويض العدل الذي ليس سوى الأساس الذي تقوم عليه السلطة في أي مكان.