البارحة وأنا أمشي بوسط زقاق في احد الأحياء الشعبية رأيت من بعيد أربعة شبان متكئين على الحائط ويتجادلون بصوت مرتفع في موضوع ما المهم رغم أن صوتهم يصلني ولكن لم استطع معرفة الموضوع الذي يناقشونه بكل هذه الجدية فطريقة تحريك أيديهم وتكلمهم تدل على أن الموضوع خطير جدا فقلت مع نفسي ربما يتكلمون في أمور البلاد وحال العباد أو عن مسرحية تبون وحداد أو على الأقل يناقشون واقع مستقبلهم على مدى القريب ولكن الصدمة كانت قوية ففي اللحظة التي اقتربت من الشباب سمعت احدهم يقول وبكل ثقة في النفس أن محرز لن يذهب إلى أي فريق سيبقى في ليستر سيتي فرد عليه الأخر وقال ستسمعون مفاجأة في الأيام القادمة سينتقل لبرشلونة بطلب من ميسي فرد عليه الثالث وقال وهو يستهزئ من الثاني كيف أيها الغبي ينتقل لبرشلونة ويترك ابن بلده زيدان سينتقل لريال مدريد وان لم تصدقني فلنراهن ب50 ألف لكل شخص فإذا انتقل لبرشلونة أنت رابح وإذا انتقل لريال أنا الرابح فقاطعهم الرابع وقال اقسم بالله أنني حائر في موضوع محرز كل يوم نسمع خبر وفريق جديد وأكثر شيء يخيفني أن نسمع في الأخير انه انتقل للوكرة القطري فنفجر الجميع بالضحك.
عرفت من هذا الحوار أن أقصى الطموح عند بعض الشاب في هذه الأحياء المنسية أن يلعب محرز أو لاعب أخر في برشلونة أو ريال لا يهمهم بناء المنزل و الزواج و شراء السيارة أو العمل والحصول على الراتب الشهري همهم الوحيد هو عالم كرة القدم والمشكلة انه تأتي أجيال ثم أجيال لتمارس هذه العادات و الطقوس بدون طموح بدون مستقبل فهم متواضعون حتى في الحلم و المعيشة لماذا لا يفكروا و لا يبرهنوا أنهم أقوى من هذا الأفيون الذي يزرعونه في عقولهم عبر إعلامهم. وهل نستطيع السيطرة عليه بمجرد بعث الأمل في روح الشباب وحثهم على عدم الإستسلام و الإصرار على تخطي المصاعب من أجل تغيير الواقع للأفضل و بالتجديد تصبح لهم الأولوية بأخذ زمام الأمور في جذور الدولة الجزائرية و تولي المسؤوليات و المناصب من أجل تغيير واقع منطقتنا ووطنا لنحلم إذن و لنكسر الحواجز بروح يافعة بشخصية جديدة في سبيل التغيير .
إن الشباب هم عماد التغيير والنهوض في كل المجتمعات لما يتمتع به من قدرة على استيعاب التجديد والتفاعل مع العصرنة والتعايش مع المتغيرات، وإمكانيات ذهنية واسعة وشجاعة وعزم ما يؤهله لضمان مستقبل أفضل. الشباب في الغرب عنده الفرصة ليتعلم ويبحث ويشترك في الشأن العام ويعمل ويتطور أما في البلدان المتخلفة ومنها بلادنا فإن الشباب هو الشريحة الضائعة ففرص التعليم والتطور والبحث والعمل والمشاركة في الشأن العام وفرص السلامة البدنية والعقلية مغلقة أمامه بشكل مهول إلا من رحم ربي ولذلك فان دورهم في تحقيق عملية التنمية والنهوض والتغيير لضمان المستقبل معدوم تقريبا.
ولذلك ينبغي على الشباب أولا انتزاع الدور انتزاعا من خلال الاعتماد على النفس في خلق الفرص وبمختلف أشكالها صحيح انه لأمر صعب وصعب للغاية ولكنه ربما الطريق الوحيد للوصول إلى القمة ولقد مرّ جيلنا بمثل هذا التحدي فعندما كنا في مرحلة الشباب كان النظام البوليسي الشمولي قد رسم لنا طريقا واحدا علينا أن نسلكه أو الموت ولأننا لم نشأ أن نسلك طريق النظام كما أننا لم نكن نريد الموت فلقد خلق الله تعالى عباده ليترك الواحد منهم بصمته في هذه الحياة بإنجاز أو عمل حسن أو فعل مميز أو ما أشبه لذلك كان علينا أن نعتمد على أنفسنا في بناء الذات بما يؤهلنا لأداء الدور المطلوب منا وبالفعل فقد حقق الشباب آنذاك الكثير فمنهم من أبدع في مجال الكتابة والإعلام ومنهم من أبدع في مجال الأدب والفن بل وان منهم من جد واجتهد ليكون فيما بعد رجل أعمال أو باحثا ومحققا. إن ما يؤسف له هو انه وبعد مرور عقدين من الزمن على التغيير الذي يسوقونه يجد الشباب نفسه مرة أخرى أمام تحدي الاعتماد على الذات في انتزاع الدور فيما كان ينتظر من الدولة الجديدة بعد العشرية السوداء وبمختلف مؤسساتها أن تحتضنه ليتمكن من النهوض بنفسه بأقل الخسائر والتضحيات وبأسرع وقت ممكن على اعتبار أن العالم اليوم يسير ويتقدم إلى الإمام بسرعة جنونية لا يمكن اللحاق به إذا كنا نسير كالسلحفاة أو أننا نتقدم خطوة ونتراجع خطوتين للوراء لذلك علينا أن نقف جميعا ضد تدجين الشباب بأفيون كرة القدم.