على أعتاب محطة قطار بولاية المسيلة الإهمال سيد الموقف يقف أناس نسيتهم الحياة كما يقف أناس فقدوا ذاكرتهم.. يدخل القطار إلي المحطة المقطورات متهالكة و أبوابها محطمة نوافذها مهشمة ومقاعدها تصيب ركابها بالألم بالظهر أما الأرفف فقد تحولت من أماكن للحقائب إلي مواضع لجلوس ونوم الأشخاص، بداخل كل مقطورة يوجد حمام لا يعمل بل يستخدم للجلوس أو الخلود في نوم عميق النظافة مفقودة والروائح كريهة، الباعة الجائلون احتلوا جنباته انه قطار الزواولة يجلس لانتظاره يوميا أناس جري الزمن عليهم منهم من شاب في ريعان شبابه وآخرون رسم الفقر علي وجوههم تجاعيده.. وكأن الزمن قال كلمته ووضع الإنسان والحيوان في سجن واحد فمنذ الصباح الباكر يصعد هؤلاء للقطار المتهالكة بصعوبة ويحملون أمتعة البحر وباليد الأخرى يتكئون علي باب المقطورة المتآكل لكي يحشروا أنفسهم بين الصفوف التي اكتظت بشكل غير آدمي داخل المقطورة وبمجرد دخولهم للقطارات يعانون من معاملة غير آدمية تبدأ بعدم وجود أماكن للوقوف أو الجلوس بداخله الأوساخ والأزبال تصيبهم باختناق والحر يذيب أبدانهم الهزيلة وكذلك سوء المعاملة من البلطجية والمنحرفين.
الركاب البسطاء تجدهم شاردي الذهن منهم من يجلس أرضا بين طرقات القطارات تدهسهم أقدام المارة ومنهم من يقف علي الأبواب اقتربنا منهم وتحدثوا معنا بكلمات بسيطة نابعة من القلب، وكان مطلبهم الرئيسي هو الكرامة والإنسانية لهم، البداية من امرأة بسيطة تبدو عليها ملامح السيدة الجزائرية الأصلية تجلس علي كرسي تحاول أن تحمي نفسها من الأوساخ والغبار وتتحدث مع جليستها المسنة عن سوء الخدمات بقطارات الزواولة أما الرجل الخمسيني كان يقف بجوار احدي الأبواب يحمل ابنه وبنبرة مليئة بالحزن وصوت مجهد قال الحاج رفيق إن معاناتنا يومية داخل قطار الزواولة من اجل الهروب من الحر إلى البحر.
وفي كل الأحوال فإن المواطنين يؤكدون أن هذه الحوادث المتكررة تكشف عن التقصير والإهمال الكبير الذي يتصف به عمل كثير من دوائر ومؤسسات الدولة، خصوصاً على مستوى قيادات الصف الأول فيها وإدارات المفاصل الحساسة، حيث لا يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ويكون الشغل الشاغل لهؤلاء غالباً كما يقول المواطنين استغلال المنصب في سبيل النهب ومراكمة الثروة، على مبدأ أن كل شيء مضمون ما دام الولاء لأصحاب السلطة يتقدم على أي اعتبار آخر. مثل هذه الحالة للقطارات تؤدي إلى مزيد من كراهية «للدولة» لدى الكثير من الفئات والشرائح الشعبية بسبب تقصير أو عجز الدولة في توفير الكثير من الخدمات والمعونات للفقراء وعليه فإن القضية كما يراها المواطنين تتجاوز مستوى الإهمال والتقصير فالسلطة مشغولة بمشاريع الحفاظ على نفسها وتأمين نقل الخلافة إلى الأبناء ولا يتبقى لها الوقت الكافي للاهتمام بقضايا فقراء الشعب ومعاناتهم.