إستراتيجية الإلهاء ضروريّة لمنع العامة من الاهتمام بالمعارف الضروريّة في ما يقع في الكواليس من صفقات خيالية، يتم فيها بيع وتفويت «الوطن» لمصالح خارجية هذه إستراتيجية لا يعيها ولا يعرفها إلا أصحابها، تجعل من الإعلام حجر الزاوية، تمرر عبره سمومها وتأتي أكلها غالبا. تخترع وتبتكر مواضيع ليست ذات أهمية حقيقية، تجعل الشعب يعيش وينغمس في مشاكل بعيدة عما يعيشه في وطنه، فتراه يفتح فاه أمام التلفاز ويتلقى المعلومة دون نقد ودون «غربال» فيسيطر حديث التلفاز على لسانه وأحاديثه. لا شك أن ما يحدث في العالم من رياح التغيير وربيع الحرية أحدث ما لم تحدثه أزمنة مضت، لقد أجج وتيرة المطالبة بالعدالة الاجتماعية والكرامة، الشيء الذي ضايق الأنظمة الحاكمة فيها مما جعلهم يبتكرون أساليب جديدة لإلهاء شعوبها وجعلها تهيم وتنسى ما تطالب به. ويقول علماء النفس أن تضخيم الأمور والأشياء هو موجود فى الكثير من الشعوب المتخلفة وإعطاء الأمور أكبر من حجمها وتضخيم المشكلات أو الموضوعات. وهذا قد يدفع البعض إلى التوهم والشعور بضخامة الأمور بل وتضخيمها أكثر وأكثر، وهو ما يدفعهم إلى التوهم بشيء كبير ومشكلة كبيرة عكس حجمها الطبيعي أو أكبر منه.
ويعانى المواطنين دوما من شدة تضخيم الدولة للأمور والمشكلات مما يؤدى بهم كثيرا إلى أن يوضعوا تحت ضغط نفسي رهيب بسبب هذا التضخم الذي لا واقع ولا أساس له، فيوضع الإنسان تحت موقف نفسيا لا يحسد عليه ولا يدير بمدى الضغط الذي يطاله بسبب ذلك وهو كله بسبب التوهم الشديد الذى عاش فيه المواطن فهو يشعر أنه إنسان شديد الضعف أمام هذه المشكلة الكبرى بل ويعتاد الإنسان على هذا الأمر ويظل يضخم في كل شيء في الحياة مما يؤرقه كثيرا في حياته ويعرقله في كل شيء بعد ذلك ويعرقل تعاملاته مع الناس أيضا. لذا يجب على الإنسان تجنب تضخيم الأمور وينظر إليها بشكل مجرد وفى حجمها الطبيعي ولا يضغط على نفسه.
الدولة يصل بها الحد إلى ابتكار أيام تضامنية مع شخص ما قد تكون دوافعها مغلفة ب إنسانية، قومية، أو دينية، لكن الدافع الأساسي هو إلهاء الشعب وعزله عن مشاكله اليومية وما يجري في الوطن بغية تمرير مخططات وعقد صفقات خارج نطاق المعهود ودون أن تلفت انتباه الآخرين في جو يسوده السرية . الدولة واضحة حينا، غامضة في معظم الأحيان، يطليها الدهان، ترفرف رايتها عاليا، تمنح نفسها الشرعية والثقة العمياء وتعطي وقتا كافيا وتفصيلا مملا عن أتفه الأشياء، ولا تلمح للأساسيات والمعاناة اليومية لبقية الشعب. وتقدم حلولا ساذجة لا تسمن ولا تغني من جوع. إن الحلول الساذجة الهينة التي تحل مشاكل العصر حلا وهميا بالفرار منها أو بإلغائها لا نفع فيها ولا عناء بل فيها الضرر الخسران. فسياسة الإلهاء هاته تعتمد شعارا مفاده إذا أردت أن تلهي شعبا ما، قم بإلهائه بقضايا تافهة، وخصص لها صفحات وأوقات كثيرة وضجات إعلامية، وقم بإلهائه بقضايا أوطان أخرى، وجعلها قضايا حية وقضايا مهمة، واجعله ينظم مسيرات ومظاهرات مليونية لدعم تلك القضايا، وبالتالي ينغرس في هذه القضايا وينسى مشاكله اليومية ثم ينسى نفسه.
هناك عبارة لتشو مسكي يقول فيها “حافظ على تشتّت اهتمامات العامة، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقيّة. اجعل الشعب منشغلا، دون أن يكون له أي وقت للتفكير، حتى يعود للضيعة مع بقيّة الحيوانات.” (مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة).