ثلاثة أيام كانت كافية لينسى الناس مهزلة الانتخابات وصراع الأقزام بين حزب جمال ولد عباس وحزب احمد اويحيى فهذا الصراع الذي شغلوا الناس به لمدة أسبوعين بتنابزهم وسبابهم وصراخهم وعويلهم وتحذيراتهم وإنذاراتهم.. انتهى كل شيء ولم تَقٌم المعركة المنتظرة.. ولم ترجع الجزائر إلى العشرية السوداء كما كان يهدد ويحذر بعض السياسيين، ولم ترقى الجزائر إلى مصاف الدول الديمقراطية كما كان يعد ويتعهد سياسيون آخرون..
انتهت الانتخابات ومعها انتهى الحديث عن “الاستراتيجيات” و”المخططات” و”المشاريع” و”الأوراش الكبرى” و”القرارات الشجاعة” و”الإشارات القوية”، وعاد الزوالي يلوك الكلام الروتيني عن ارتفاع أسعار البطاطا، والزيادة في فاتورة الماء والكهرباء، واحتمال الرفع من سعر اللحوم البيضاء والحمراء في رمضان.. اختفت مانشطات الصحف وعناوين المواقع التي كانت تنقل التصريحات النارية للسياسيين أثناء حروبهم الكلامية في فترة الحملة الانتخابية، لتعود أخبار الجرائم والفضائح وحوادث السير لتهيمن من جديد. تبخرت كل الشعارات التي رٌفعت أيام الحملة عن محاربة الفساد، وإصلاح التعليم، وتحسين الصحة، والقضاء على الفقر، وبناء المساكن، وتوفير الأمن، وتطوير الفلاحة، وتقدم الصناعة، وتنويع الصادرات، وتقليص العجز والرفع من نسب النمو.. وعادت من جديد أخبار الاختلاسات والسرقات، والاكتظاظ في فصول الدرس، وإغلاق بيوت الدعارة، وبدأ الحديث عن أسعار المواد الغذائية في رمضان ، وإغراق السوق بأنواع جديدة من المواد الصينية ، وتواصل الإعلان عن تفكيك الشبكات الإرهابية حتى ليٌخيّل للمرء أن الجزائر تحولت إلى “رقة” كبيرة أو “موصل” جديد، من كثرة عدد الخلايا التي يعلن كل شهر وكل أسبوع عن تفكيكها..
انتهى زمن الوعود الانتخابية وعاد زمن أخبار الفواجع عشرة شبان يتناوبون في اغتصاب قاصر ، شابة تلد في سيارة عشيقها. واختفت النقاشات السياسية والاقتصادية من على المنابر الورقية والرقمية، وانشغل القراء بمتابعة آخر أخبار وفضائح الفنانين، وعاد الحديث من جديد حول نظرية “المؤامرة”، لكن ليس حول قضايا البلاد الكبرى، وإنما حول ما جرى في الليلة التي سكر فيها هواري منار.. هو، كما قال الشاعر الكبير محمود درويش، “اللا شيء الذي يأخذنا إلى لا شيء”.. هكذا هي الانتخابات الجزائرية تكاد تكون بلا معنى ولا طعم، تنتهي الانتخابات وتستمر الحياة كما كانت من قبل، لا شيء يتغير لا شيء يتحول.. يدخل نواب جدد إلى قبة البرلمان ويخرج من تحتها آخرون، ويدخل وزراء جدد إلى بيت الحكومة ويغادره آخرون، ويستمر الحكم بيد الحركي ويستمر الشعب تحت طوعهم ورهن إشارتهم…