توقف التاريخ صباح اليوم الأحد 7 غشت 2016 في جنازة مهيبة لا تتحقق إلا للعظماء لتشييع جنازة الراحلة نهال سي امحند إلى مثواها الأخير بمقبرة العين البيضاء بوهران، في موكب جنائزي رهيب شارك فيه الآلاف من المواطنين وسط تغطية إعلامية منقطعة النظير.
أبو نهال وجد نفسه مضطرا أن يدفن ما تبقى من جثة فلذة كبده بيداه، ليزفها بنفسه عروسا لموت ضرب له موعدا في عرس عائلي، فتحول فرح باكتمال حياة زوجية إلى نقصان طفلة من هذا العالم المدنس بخطيئة لا تخطئ أطفالنا.
رحلت الصغيرة نهال و أصوات التهليل و التكبير و الهتاف و الاستنكار تصل الأرض بالسماء في استعراض للبراءة عندما يتم اغتصابها في غفلة من الإنسانية التي فقدت جواز سفرها في عالمنا الموبوء بجميع الأمراض المجتمعية التي يكون ضحيتها أطفال في سن الزهور.
تعاطف لا مشروط مع طفلة منذ بداية اختفائها إلى اكتشاف بعض من جثتها في غياب للحقيقة التي يبحث عنها الجميع، من هؤلاء الوحوش الضارية التي اغتصبت حق نهال في الحياة؟ هل الإعدام كفيل بأن يعيد البسمة لأسرة مكلومة لم تستفق بعد من تعب رحلة السفر بحثا عن فلذة كبدها؟ سفر حمل الكثير من الأسئلة و الأجوبة المتناثرة هنا و هناك، لكن الحقيقة الوحيدة التي تكمن في عقل و قلب العائلة هو أن العزيزة نهال رحلت رحلة أبدية بحثا عن معنى آخر للطفولة و البراءة.
وهران بصغارها و شيوخها و أطفالها و نسائها استيقظت هذا الصباح تستنكر و تشجب و تندد بأصوات قدمت من كل المدن الجزائرية في موعد مع كتابة تاريخ آخر لا يشبه ما قبل اختفاء الطفلة نهال، و لا يشبه اللحظة التي تودع فيها الجماهير ما تبقى من الطفلة نهال.
وداعا أيتها الأيقونة نهال، وداعا أيها الحلم الذي لم يكتمل في مرأى من عرس خطف نهال بدون رجعة، وداعا أيتها الملاك التي لم يسبق لها أن تعرفت على شياطين الأرض إلا عندما اختطفوك و قتلوك.
وداعا نهال صوت الطفولة، و صوت الضمير، و صوت الإنسانية، تودعك اليوم كل الجزائر بأطفالها و شيوخها، نسائها و رجالها، شبابها و شاباتها، تودعك كل الجزائر و العيون تدمع و القلوب تخشع في وداعك الأخير حيث يرقد ما تبقى من جسمك الصغير و أحلامك الكبيرة.
وداعا نهال و مازال في الحلق غصة و في الذاكرة ألم، و في الحقيقة دروب مظلمة يمشي فيها أطفالنا كل يوم في غفلة منا نحو المجهول.