باتت كلمات (بلاد الحغرة) (الحوت خير من الدود) (لي ليها ليها غاع ناس مشات) اليوم الكلمات الأكثر تداولاً بين الشباب الجزائري وأصبحت الأحلام الوردية وعوالم ما راء البحار أكثر من أن تُحصى أو تُعد، فقد تأجلت مشاريع التخرج والزواج والوظيفة وخطط المستقبل، وأكلت نيران اليأس كل شيء حتى صار رماداً وهباء منثوراً تتقاذفه رياح القلق واللا استقرار، وتعصف به قوارب الموت وسفن الشحن العشوائي والمتاجرين بالبشر، لنستيقظ كل صباح على مأساة جديدة ضحاياها هؤلاء الحالمين بالهجرة والانتقال إلى العيش الرغيد في أحضان القارة العجوز. فقد شهدت السنين الأخيرة حركة هجرة كبيرة وغير طبيعية من الجزائر عبر ليبيا وتركيا وشواطئ البحر المتوسط، بإشراف عصابات ومافيات دولية تسبّبت بغرق مئات ممن طاردوا أحلامهم ولهثوا خلفها حتى النفس الأخير قبل أن تبتلعهم أمواج البحر وأسماكه إلى الأبد، ودون الوصول إلى شواطئ الأمان في أوروبا.
المقارنة بين أبناء الشعب الذين ماتوا في الحرقة وهم يبحثون عن الأمل وبين أبناء هؤلاء المسئولين الذي يفطرون بحليب من باريس وغداؤهم من لندن وعشاؤهم أكيد لا يبتعد عن جنيف، لو كان الأمر يحدث من مالهم الخاص فلن يكون لنا الحق في التدخل، لكن لما يتعلق الأمر بمال الشعب الجائع العاري الفقير فذلك يدفعنا إلى فضحهم وعدم السكوت، وخاصة أن البنوك السويسرية تعج بأرصدة ضخمة بأسماء زوجاتهم أو بناتهم أو أبنائهم أو حتى عشيقاتهم، والأموال مهربة من مداخيل النفط والبترول والصفقات المشبوهة المزيفة التي تعقد وتذهب أدراج الرياح…
حياة أبناء المسئولين في بلادنا تجدها تتوزع بين اللعب بالسيارات الفاخرة بمحاذاة قصر الأمم، والمخصص لنزول الطائرات العمودية أو أنك تجدهم أزواجا على الشاطئ “الذهبي” يمارسون الجنس والقبلات وفي أوضاع مثيرة وساخنة، فبنت الوزير فلان مع إبن الضابط السامي علان، وابن وزير آخر مع بنت زعيم حزب، وأيضا أبناء وبنات الوزراء في ما بينهم، وأكثر أنك تجد حتى المثليين أيضا، فبنت هذا مع بنت ذاك، وذاك مع ابن جاره، والمثير أنك تجد وزير يعيش علاقة غرامية مع زوجة وزير آخر أو مسئول أقل منه شأنا، بل زوجات يجلبن عشاقهن من الخارج إلى إقامة خاصة والزوج المغفل غارق في الحكومة وأحلام البقاء في الكرسي والسفريات المختلفة .
عندما اسمع عن خبر موت إخواننا في البحر بسبب أنهم يبحثون عن تحقيق حلم بسيط أو بأحرى حق من حقوق الإنسان وفي نفس الوقت أرى حياة البذخ لأبناء المسؤولين اعرف فعلا أننا لا نستحق كلمة شعب فنحن مجرد أرقام في قطيع كبير.