رغم أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين إلا أن البسطاء في القرى والمناطق الشعبية وبعض الأميين يتعرضون لنفس اللدغة من نفس الجحر مع كل انتخابات برلمانية ولا يتعظون ولا يتعلمون من كذب المرشحين عليهم في كل مرة، لذلك نجد الآن نفس سيناريو موسم الكذب في الانتخابات البرلمانية السابقة يتكرر في انتخابات 2017 بكل حذافيره، فنرى المرشحين من جميع الأحزاب ونوابهم السابقين في البرلمان يمارسون الكذب بكل بجاحة وبنفس الطريقة التي تربوا عليها في مدرسة الحركي، فكل مرشح من هؤلاء يمتلك من الحيل والأكاذيب ما يجعله يستولي على مشاعر البسطاء في القرى والمناطق الشعبية ويمارس الكذب بثبات وثقة عليهم وينجح في خداعهم والحصول على أصواتهم.
في موسم انتخابات بالجزائر تصبح السياسة لعبة عدم قول الحقيقة. حيث جرت العادة على أن المرشحين خلال الحملات الانتخابية بالجزائر، يطلقون الكثير من الكذب، لدرجة أصبح معها الكذب “ملح الانتخابات”، حيث يجد الناخب الجزائري نفسه اليوم حائرا أمام الوعود الخيالية المتشابهة التي يقدمها المرشحون، خلال الحملة الانتخابية لاقتراع الرابع من مايو 2017، بغية استمالة الناخبين للوصول إلى كرسي البرلمان، والحظوة بلقب حضرة ” سعادة البرلماني” وما فيه من مظاهر الرفعة والنفوذ.
المرشحون الكذابون جاهزون دائما للإجابة على كل الأسئلة وإطلاق الوعود بسخاء لأنهم يملكون قدرات خطابية حفظوها لما يناسب المقام. ويمارسون حالة من التزلف والتملق والتقرب من الناخب، يقبلون يديه ورجليه، ويقبلون جبينه، ويلقون التحايا حتى على الحمقى. فترى المرشحين يبتسمون في وجه كل الناس ومن يقابلونه يأخذونه بالأحضان كأنه صديق حميم. وفي أخير غالبا المرشح الذي يصبح برلمانيا أو حتى وزيرا يفشل فيما بعد بالوفاء بوعوده وما أن يفوز المرشح حتى يختفي عن الأنظار ويلوذ بالفرار، ويتعامل مع ناخبه كأجرب غير مرغوب فيه، حيث يغلق هاتفه، أو يغير رقمه، وربما حتى محل سكنه. ومع تكرار الوعود الكاذبة من أحزاب متعددة وساسة من كل الاتجاهات، يبدأ الناخبون في فقدان الثقة في العملية السياسية برمتها. ويتضح ذلك جليا، في تدني مستويات المشاركة في الانتخابات، وتراجع معدل ثقة المواطنين في الساسة والعملية السياسية.
وفي أخير نختم بقصتين وقعت في أوروبا أولى عن فلاح وقع أمامه حادث انقلاب حافلة تحمل نوابا في البرلمان، وجاء المُحقق فقال الفلاح إنه دفن النواب جميعا، فسأله المحقق: هل تأكدت أنهم ماتوا بالفعل؟. فرد الفلاح، بعضهم قال إنه حي، لكن من يصدق السياسيين؟. وثانية أن تشرشل كان في يوم من الأيام في صُحبة أحد أركان حربه مارّا بجوار مقبرة مكتوب عليها، هنا يرقد الرجل الصادق والسياسي الأعظم، ضحك تشرشل فسأله مُرافقه عن سبب ضحكه، فرد تشرشل قائلا: أول مرة أرى مقبرة بها اثنان، فقال له المرافق: إنها شخصية واحدة، قال تشرشل: لا أظنه صادقا طالما هو سياسي.