إن أخطر ما في العمل الإداري على الإطلاق سوء استخدام السلطة واستغلال النفوذ حيث يعد ذلك من أبواب الفساد التي يجرم ويعاقب عليها النظام عقوبة شديدة لأن استغلال النفوذ الوظيفي أياً كان مصدره سواء كان حقيقياً أم وهمياً يؤدي إلى الإخلال بمبدأ العدالة الاجتماعية بين أفراد أي مجتمع ما وذلك حين يستخدم لتحقيق مصالح خاصة على حساب المصلحة العامة أو إذلال المواطنين.
سلطة الموظف سواء كان منصبه مير أو أي منصب أخر ليست مجرد إظهار القدرة على القهر والتحكم وتنفيذ ما يريد وإنما في إثبات قدرته على تحقيق المصلحة العامة فالسلطة لم توضع في يد الموظفين من أجل خدمتهم وحمايتهم ولكن لخدمة وحماية المجتمع وأهدافه فاتخاذ السلطة وسيلة للطغيان أو الاستبداد أو الكبرياء أو الاستعلاء أو الظلم أو نحو ذلك جريمة في حد ذاتها بل هو تحويل للسلطة من خدمة المجتمع إلى الإضرار به ومن هذا المنطلق لا يجوز للقائمين بأعباء السلطة أن يتصرفوا إلا لجلب مصلحة أو درء مفسدة وهذا المعيار هو الذي يحدد النطاق الذي يجب أن يمارس أصحاب السلطة من خلاله سلطاتهم ولهذا تحرص الدول على نزاهة الوظيفة العامة من خلال تجريم سلوك الموظف إذا كان منحرفاً ومتى ما أساء استعمال سلطته الوظيفية لأنه يكون قد أهدر نزاهة الوظيفة مما يؤدي إلى ضعف ثقة المجتمع في أجهزة الدولة لذلك وعلى الرغم من الحديث الطويل عن الفساد فلا يزال مشوار المعالجة طويلا ومعقدا بسبب حالة الانتشار في كل المؤسسات الرسمية بدرجات متفاوتة من المستويات الوظيفية البسيطة إلى مواقع حساسة وهذا يتطلب ثورة ثقافية كبرى وسلسلة من القرارات الصارمة التي قد يكون من الصعب تبنيها في المرحلة الحالية بسبب التوازنات والمصالح والمنافع المتبادلة بين الكتل السياسية ولهذا أصبح الفساد ثقافة تدعو الحاجة إلى ثقافة أقوى لكبحها.
في عصرنا الحديث ظهرت أشكال وأساليب جديدة من سوء استخدام السلطة واستغلال النفوذ يصعب على المضرورين منها إثباتها بسهولة مما يعكر صفو العلاقات والأمن الوظيفي ويضعف الإحساس بالانتماء والعطاء والإنتاجية وينشر الفساد ويضيع الحقوق ولذلك نناشد كل موظف بيده سلطة مهما كان نوعها أو حجمها أن يتقي الله في نفسه وفي المواطنين حتى لا يناله غضب الله ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمشقة حيث قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فأرفق به ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه».