بمناسبة الذكرى الواحدة و الخمسين لليوم الوطني للبلدية، بعث رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، رسالة إلى رؤساء الـمجالس الشعبية البلدية في لقائهم الوطني، و فيما يلي نصها الكامل:
“بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين
و على آله وصحبه إلى يوم الدين
حضرات السيدات و السادة أعضاء الـمجالس الـمنتخبة
أيها الحضور الكريم
أهنئكم بادئ ذي بدء بإحرازكم ثقة منتخِبيكم وهي ثقةٌ ليس قدرها بالهين ثقة تترتب عنها مسؤوليّة جسيمة تقتضي منكم الوفاء بتلك الالتزامات التي قطعتموها على أنفسكم أمام المواطن بأن تتكفلوا بانشغالاته و تسعوا من أجل تجسيد تطلعاته لكنكم لستم وحدكم في معترك التنميّة، بل تقف إلى جانبكم مؤسسات أخرى تؤدّي مهامها و هيئات تقوم بوظيفتها تحقيقا للأهداف الـمشتركة التي نرومها كلنا خدمة لوطننا الـمفدى ونهوضا بتقدمه وَ رُقِـــيِّهِ.
إنني أتوجه إليكم برسالتي هذه لأن لقاءكم هذا يحمل دلالات شتى منها تكريس الإرادة الشعبيّـــة و تعزيز السلطة الـمحليّة و إبراز تطوّر الـمنظومة الوطنية للـمؤسسات الـمنتخبة.
يعود بي لقاؤُكم هذا إلى أكثرَ من خمسين سنةً خلتي إلى السنوات الأولى لاسترجاع استقلالنا حيث كان هاجسنا الأول هو مَحْوُ رواسب الاستعمار من محيطنا وحياتنا اليوميّة، و التخلّص مما تركه الاحتلال البغيض من نُدوبٍ في ذاكرتنا و وجداننا، و بناء دولة جزائريّة بمعناها ومبناها دولة تستند إلى مبادئ ثورة أول نوفمبر الـمجيدة، دولة تُجَسِّدُ أحلام شهدائنا الأبرار. وأبى الـمخلصون من مجاهدين و أبناء شهداء ومواطنين إلا أن ينخرطوا في ورشة بناء هذه الدولة التي كانوا يَصْبون إلى العيش فيها في كنف العزّة والكرامة والأخوّة.
أجلي كانت أولى أولوياتنا الوفاء لوصيّة الشهداء التي خطّوها بدمائهم الزكيّة، لكي تُبَلَّغ لأبنائهم وأحفادهم أي أنتم الذين جاء دوركم لتتحملوا نصيبكم من الـمسؤولية في خدمة الـمواطن و الدولة. و أنا أدرك جليا أنّ مفهوم التضحية يأخذ مداه في كلّ موقعي فمثلـما ضحّى الآباء و الأجداد و قدّموا أغلى ما كانوا يملكوني فإنّ أجيالا توالت في خدمة الجزائر كان مفهومها للتضحية مرتبطا بالإخلاص للوطني والوفاء له ولـمن أخلصوا في خدمته.
كان همنا أن نَبْنِيَ دولة ديمقراطية واجتماعية ونتطلّع لتشييد دولة مؤسسات آمنَ أبناؤها بجزائرَ قويّةٍ متحابّةٍ، متضامنة في كنف ثوابتها و هويّتها وأصالتها وعبقريّة شعبها.
و لـما كان أَيُّ بناء يبدأ من قاعدته فإنّ أساسه الفرد -الـمواطن الذي هو رأسمال أمّته بما يقدّمه من قيمة مضافة، ثمّ يرتقي بنيان مؤسسات الدّولة مرتكزًا على البلدية التي كانت و ستظل الخلية القاعدية الضامنة لاستمرارية خدمة السّاكنة و السعيِ الدّائمِ لتلبية الحاجات التي نُقِرُّ بأنها في تزايد بما أن الـمجتمع يشهد متغيّراتٍ اقتصاديةً واجتماعيةً و ثقافيةً وسلوكيةً و العملِ على ترجمة التطلعات إلى واقعي والطموحات إلى حقيقة ملموسة.
حضرات السيدات و السادة أيها الحضور الكريم
إنني و أنا أتحدّث إليكم أستعيد مراحل التحوّلات التي شهدتها البلديّة إِبَّانَ السنوات الأولى للاستقلال وما تلاها من تطوّر في التشريعات إلى عهد التعدديّة التي اتسمت بدايتها بعنف دموي غير مسبوق طال ركائز الدولة، و سعى إلى تقويض مؤسساتها بدء باغتيال رؤساء الـمندوبيات و أعضائها الذين اضطلعوا، بإقدام و بسالة ونكران ذاتي و تحملوا بشجاعة مسؤولية إدارة البلديات في ظل الفراغ الـمؤسساتي الذي شهدته تلك الفترة. لقد غنموا شرف الدفاع عن الدّولة في أصعب الظروف، شأنهم في ذلك شأن الفئات الأخرى الساهرة على حماية الـمواطن و الوطن.
وإنه لـمن دواعي السعادة و الغبطة أن نشهد إلتئام لقائكم اليوم وأنتم تتقلدون شاراتكم وهي لكم بمثابة أوسمة شرف وشحها إياكم الشعب الجزائريّ الأبي الذي علق عليكم الأمل وَ تَوَسَّمَ فيكم الخيري فكونوا أهلا لثقته ولا تخيبوا ظَنَّهُ فيكم.
و يزداد فخرنا بأن نرى صفوف مجالسكم معززة في ثلثها بحرائر منتخبات من بين أخواتنا الأبيات اللواتي أصبحن يُسْهِمْنَ بفعالية جنبا إلى جنب مع إخوانهم الرجالي في معركة التنمية و البناء، و يُضْفِينَ على العمل الـمحلي روح البذل والعطاء و التفاني في الخدمة العمومية دائبات على التَّـــأَسِّي بأسلافِهِنَّ حرائر الجزائر من اللواتي كافَحْنَي بجانب إخوانهن إبان معركة التحرر و الانعتاق من نير الاستعمار البغيض.
إنها مكانة انتزعتها بكل جدارة واستحقاقي و على كل منا اليوم العمل على تثبيتها بل وتعميقها وفقا للقيمة الجديدة التي كرسها الدستور بعد مراجعته الأخيرة.
حضرات السيدات و السادة،
إنكم على عتبة عهدتكم الانتخابية بما تحمله من رهانات جديدة وأخرى متجددة، فمنكم من حَظِيَ بتجديد الثقة في شخصه أو في حزبه ومنكم من آمن بخدمة مواطني بلديته فتقدّم إليهم معلنا رغبته في خدمتهم وهي مسؤولية يجب على كل واحدة و واحد منكم تقديرها حق قدرها و العمل على الارتقاء بها إلى مستوى تحدياتها.
إنّها أمانة، فكونوا أهلا لها، إنّ للتاريخ عينا عليكم و كَلِــــمَةً يَشْهَدُ بها لكم أو عليكم.
إن انتخاب كُلٍّ منكم لـم يكن بنفس السلاسة واليسر، ذلك أن الاستشارة الانتخابية الأخيرة اتسمت بتنافس كبير إذ أنه من طبيعة الديمقراطية أن تتنافس الآراء والأفكار والبرامج. و لعلّ المكسب الكبير الذي يمكن للجزائر أن تعتزّ به هو التزامها بتنظيم الاستحقاقات الانتخابية مُرَاعِيَةً مواعيدها وآجالها.
فقد توجّه الشعب الجزائري إلى صناديق الاقتراع والاستفتاءات الـمختلفة أكثر من عشرين مرّة، مكرّسا بذلك حقّه في التعبيري وإبداء رأيه، في مُخْتَلِفِ القضايا ذات الصّلة الوثيقة بحاضره و مستقبله.
أيتها السيدات، أيها السادة،
يأتي لقاؤكم هذا بعد أيّام قليلة من ترسيم رأس السنة الأمازيغية، يناير، يوم عطلة مدفوعة الأجر، الترسيمِ الذي أردنا به تعزيزَ هُوِيَّتِنَا ووحدتنا الوطنيتين وانسجامنا الثقافي و الاجتماعي، و العزم على التكفّل، على أوسع نطاقي بترقية اللغة الأمازيغيّة مع إقامة المجمع الجزائري للغة الأمازيغية الجاري التحضير لإنشائه وتنصيبه. ومن هذا الـمنطلق الدستوري أدعو كل الهيئات والـمؤسسات الـمعنية بأن تمنح الأمازيغية بمختلف ألسنتها موقعها الطبيعي في فضاءات التواصل اليومي بالبلديات والـمرافق الأخرى وأن تنظّم دورات مستمرّة للتكوين.
أيتها السيدات، أيها السادة،
دعوني بهذه الـمناسبة، أتَرَحَّم على أرواح من فقدناهم من رؤساء مندوبيات تنفيذية وأعضائها ومستخدمي البلديات و الدوائر والولايات أولئك الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الوطن و بقاء الدولة قائمة صامدة في وجه دعاة التطرف والإرهابي دونما اكتراث للمخاطر التي كانت تَحِيقُ بهم وبعائلاتهم يخدمون مصالح الشعب بالنهار و يسهرون على أمنه بالليل.
لم يتوقّف دور هذه الفئة الغيورة على الوطن والـمواطن عند حدّ مواجهة أعباء مرحلة صعبة و شاقّة، بل انخرطت بروح وطنيّة عالية في المسعى التاريخي للـمصالحة الوطنية فكان هؤلاء الذين تصدّوا لأعداء الوطن و الشعبي خلال السنوات الدامية في مقدمة صف المباركين والناطقين بكـمة الصفح و التسامح أسوة بأسلافهم من أبناء الرعيل الأول للثورة التحريرية عشية الاستقلالي مُكَفْكِفِين الدموع ومشمرين عن السواعد و داعمين لصرح المصالحة الـوطـنية بكــــــل ما يجنب العودة إلى ويلات الماضي و شروره.
فكل ما تم إنجازه من مرافقَ طيلة الـمخططات الخُماسية السابقة لـم يكن ليتجسد بدون البلديات ومجالسها الـمنتخبة. و إنّ ما تم تجسيده من خلال الميزانيات اللامركزية لهو أحسن دليل على دور المنتخبين في التنميّة المحليّة والتكفل بمطالب الـمواطنين. فبفضل تظافر جهود الدولة مع جماعاتها الإقليميّة تَمَكَّنَّا من تدارك العجز في العديد من الميادين، إذ توصلنا في أقلّ من عقدين من الزمني إلى تحسين كل المؤشرات التنموية و تحقيق كل أهداف الألفية للتنمية المستدامة التي حددتها الأمم الـمتحدة. و كلّ هذا ثمرة الأمن و الاستقرار و الشعور بأهميّة خدمة الـمصلحة الوطنيّة.
أما الآن و قد خرجنا من متاهة العنف واستأنفنا مساراتنا التنموية القاعدية المحلية، ها نحن مقبلون على مغالبة تحديات جديدة لا تقل أهمية عن سابقاتها، ألا و هي معركة عصرنة الـمرافق العمومية البلدية، معركة تعميق اللامركزية، ومعركة تحرير المبادرات الاقتصادية و التنموية المحلية.
تلكم هي أولوياتكم في المرحلة المقبلة، إنكم مطالبون بالتحرري أولا كمسئولين محلييني من البيروقراطية و الاتكال، في أسلوب تعاملكم مع محيطكم وفي منهجية تسييركم لمصالحكم والتوجه نحو تحرير المجموعات العاملة من هاته الآفات التي باتت عائقا كبيرا أمام تقدم بلادنا.
إنّ أمامنا في العالـم نماذج كثيرة، سواء أتعلّق الأمر بنجاحها أو بإخفاقها في امتحانات التنميةّ والتطوّري فبعض البلدان لـم تتمكن من تجاوز صعوباتها بسبب قلة الـموارد و الوسائل الـمتاحة و بعضها الآخر بفعل الخيارات الخاطئة، بينما تزخر بلادنا بموارد متنوّعة كفيلة بتحقيق الطفرة اللازمة نحو التنمية السريعة، أبرزها الثروة البشرية الـمؤهلة الهائلة ي التي يشكّل فيها الشباب القوة الأساسي هذه القوّة، التي تتطلب منا جميعا حسن توظيفها و منحها الثقة لإبراز قدراتها ومهارتها مع تحرير للـمبادرات و تفعيل للأفكار والـمشاريع و بلا شكي فإنّ للبلديات دورًا كبيرا في هذا الـمجال.
إن بلدياتكم، على اختلافها وخصوصياتها، تزخر بمقومات تنموية ذاتية يتعين على كلّ مجلس منتخب الاجتهاد من أجل إيجاد كيفية تثميرها و لن يتأتى ذلك من دون تفتحكم على محيطكم و تواصلكم الـمستمر مع الـمواطن ومع الفاعلين والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين و الـمجتمع الـمدني.
إن المواطن هو المنطلق و الغاية ويجب أن يكون دوما في صُلب اهتمـــــاماتكــم. إنـــــه ليس مجــرد رقــمي أو مُرْتَفِقٍ طالبٍ لخدمة عمومية بل هو شريك كامل الحقوق والواجبات منه تستمدون شرعيتكم هو الأدرى بما هو أصلح لـمدينته أو قريته أو حيّه كما كان بالأمس القريب الأدرى بمن سَيُوَلِّيهِ شؤونَه.
إن الـمواطن هو ذلك الطبيب الضليع بقطاع الصحة والنظافة العمومية والبِـيئة، وهو الـمحامي العارف بالـمسائل القانونية والقضائية و هو الخبير بالحسابات و الـمسائل الـمالية و الجبائية، وهو الناشط الجمعوي القريب من حاجات الـمواطن و هواجسه، و الإمام الذي يتقاسم مع العائلات أفراحها وأتراحها وهو الـمعلّم الحريص على مدرسته وتلاميذه، وهو العائلة التي تدرك معنى الحفاظ على المحيط.
إنّهم أكثر من هذا مواطنون يشكلون قوة اقتراحية و منجماً للحلول.
لقد ضَمّنَّا الدستورَي أثناء مراجعته الأخيرةِ، أحكاما نصت على ترقية الديمقراطية التشاركية على الـمستوى الـمحلي و أردناها مُكَمِّلَةً غيرَ مُنْتَقِصَةٍ من صلاحياتكم تقودون أعمالها بأنفسكم.
تلك هي القيمة الـمضافة من جملة القيم الديمقراطية النبيلة التي تضمّنها الدستور الجديد قصد تعزيز شرعية الهيئات الـمنتخبة وتشكيلتها مكرسين الرقابة الـمستقلة للعمليات الانتخابية ترقية الـمقاربة بالنوعي والتسيير الشفاف من خلال الحق في الاطلاع و الحصول على الوثائق الإدارية و حق المساءلة و هي كلها وغيرها مبادئ جاءت لترقية مكتسبات التجربة الديمقراطية للبلاد.
وعلى صعيد آخَرَ إنني كنت حريصا على أن يتضمن الدستوري من بين ما يتضمني حقَّ البلـــدية في الحصول على الـموارد الذاتية الكافــية التي تُمكِّنها من مواجهة أعبـئها، لا سيما تلك الناتجة عن تحويل صلاحيات جديدة، كما كرسنا حق الأجيال القادمة في الاستفادة من ثروات البلاد الحالية و ضرورة الحفاظ عليها في إطار مسعى تنمويٍّ مستديمٍ.
أيتها الـمنتخبات، أيها الـمنتخبون،
إني على يقين من أنه لا يمكن للبلدية مواجهة تحدياتها الجديدة دون الاعتماد على النفس وتحرير مبادراتها و تسيير مواردها بنفسها، و هو ما لا يمكن أن يتم دون تعميق اللامركزية. لقد أصدرت في هذا الإطار توجيهات للحكومة من أجل تضمين القانونين الجديدين للجماعات الإقليمية و الجباية الـمحلية، رؤيةً جديدةً تضع الـمجالس الـمنتخبة أمام مسؤولياتها كاملة، مانحة إيّاها كل الوسائل اللازمة التي تسمح لها بممارسة صلاحياتها في إطار قانوني واضح و دقيق.
إن هذا التحول يقتضي منكم جميعا التجنّــد، وتجاوز الخلافات والـمصالح الضيقة و تعبئة كل الوسائل الـمتاحة، بشرية كانت أو مالية و مادية، معتمدين على مقومات أقاليمكم و مكنوناتها.
لقد سبق لي أن التزمت بأن أَبْلُغَ بمسار التنمية الـمحلية إلى مداه حتى تستفيد منه كل جهات الوطن إلى آخر بقعة من التراب الوطني، و أنا عازمٌ كلّ العزم على ذلك، و لن أدخر أي جهد في هذا السبيل. و ما القرار الذي وضع حيز التنفيذ من أجل إعادة تفعيل صندوقي تنمية الهضاب العليا و الجنوب إلا دليل على ذلك، وإنّ إيماني لكبير بقدرات جنوبنا الكبير ومناطقنا السهبية، تلك هي قوتنا الكامنة، ولا أدلَّ على ما أقول من الطفرة الفلاحية التي تشهدها صحراؤنا اليومي والتي قطعت الشك باليقين و فتحت الأبواب أمام الاستثمارات الدائمة، التي تتجاوز الربحيّة وتحقيق الاكتفاء.
انطلاقا من هذا الإيمان الراسخ شرعنا في إعادة تنظيم مصالح الدولة على الصعيد الـمحلي و أنشأنا ولايات منتدبة بالجنوب تماشيا مع الحركة التنموية التي عمت بلادنا خلال العشريتين الماضيتين إيمانا منا بضرورة تقريب الإدارة من المواطن و تركيز جهدٍ تنمويٍّ أكبر على الولايات الـمنتدبة الـمستحدثة.
أيتها السيدات، أيها السادة رؤساء البلديات،
إننا على الـمستوى الـمركزي نسعى لتمكينكم من كل وسائل النجاح و السماح لكم بالعمل بفعالية و من تجسيد مشاريعكم الانتخابية بكل حرية و مسؤولية، وذلك في إطار نظرة متكاملة، إذْ لـم يبق سوى أن ينخرط الجميع ضمن هذه الرؤية الإستراتيجية والشروع في تنفيذها ميدانيا.
إن الـمعركة الأولى التي يتعين عليكم خوضها هي مكافحة البيروقراطية والـمحسوبية و الـمحاباة والـممارسات غير الـمطابقة للقانون. فالجهود الجارية حاليا لتبسيط الإجراءات الإدارية و عصرنتها بفضل التكنولوجيات الجديدة للإعلام و الاتصالي يجبُ أن تشكل مرتكزكم الأول.
لقد قطعتم شوطا كبيرا في هذا الـمجال وفي فترة وجيزة، و أهنئكم بهذا الإنجاز الذي تحقق على أيديكم لأنه يكرّس الفعالية والجدوى والشفافية، إلا أن الطريق لا تزال طويلة و تقتضي تجندا أكبر على كل الـمستويات حتى نقضي على كل التعقيدات البيروقراطية التي أصبحت تكبد اقتصادنا ومستثمرينا تكاليف باهظة و تعكر صفو العلاقة بين الإدارة والـمواطن.
إن العصرنة هي رافد أساسي لِلاَمَرْكَزِيَّةِ الخَدَماتِ العمومية فكل النُّظُم الجاري تطويرها سَتُوَطَّنُ على مستوى البلدية و هو ما يلقي على عاتقكم مسؤولية تحضير الـموارد البشرية لهذا التحول العميق الذي بدأنا نستشعر جَدْوَاهُ ابتداء من سنة 2012 . فبلديات اليوم ليست بلديات الأمس فالـمرتفق بشبابيكها يجد خدماتٍ سريعةً و عصريةً تكفلها حواسيب و تطبيقات معلوماتية متطورة بفضل كفاءاتنا الوطنية من مهندسين و تقنيين منتشرين في البلديات و الولايات.
أغتنم هذه الفرصة لأنوه بالجهود الكبيرة التي يقوم بها مُخْتَلِفُ الأعوان على الـمستوى الـمحلي و أحثهم بهذه الـمناسبة على مواصلة الجهد و عدم التواني في مباشرة كل عمل من شأنه التخفيف من معاناة الـمواطن و عصرنة الإدارة الإقليمية.
إن رهانهم في الفترة الـمقبلة سيكون توسيع مجال العصرنة بحيث يشمل خدمات الـمرفق العام الجواري واعتماد مبادئ التنمية الـمستدامة في تسييرها مرجحين التقنيات الـمعتمدة على الطاقات النظيفة و الـمتجددة و تثمير الـموارد البلدية التي يمكن استغلالها اقتصاديا في إطار الاقتصاد الدائري الصديق للبيئة والـمحافظ عليها إضافة إلى اعتماد تقنيات جديدة لتسيير ذَكِيٍّ لـمدننا اقتصادا للوقت و للـمالي وللـموارد الطبيعية.
تلكم هي التحديات التي أنتم مقبلون على مغالبتها وهي كثيرة و متعددة لذلك فعليكم التعاون والتعاضد في إطار مقاربة تضامنية محلية حتى تتمكنوا من تجاوز الصعوبات والعوائق على الـمستوى المحلي. فبالتضامن ستتمكنون من تجاوز كل الصعاب و من تسريع وتيرة التنمية في مدنكم و قراكم و بالتالي فأنا أدعوكم إلى توسيع أفق الرؤية والانتقال سريعا من تنظيم شؤونكم الداخلية على مستوى مجالسكم والتحول نحو أمهات الأمور.
و لتمكينكم من تنسيق جهودكم و التواصل دوريا مع مصالح الدولة في شأنها ي قررت أن نَدْأَبَ من الآن فصاعدا، على ســُنـَّـةِ عقد الجلسات الوطنية للبلدية كل سنة في يوم 18 يناير مع جعل هذا اليوم يوما وطنيا للبلدية، وذلك عرفانا من الشعب والدولة لدور هذه الخلية القاعدية للدولة في مسار التنمية الوطنية ومسار تعزيز دعائم دولة الحق والقانون.
أيتها السيدات، أيها السادة،
إنّ هذا اليوم سيكون أيضا مناسبة لتجديد العهد مع شهداء الواجب الوطني وتقويم الـمسار نحو ما هو أصوب و تمكين الـمواطن من النظر إلى البلدية برؤية مخالفة، بلدية دورها كدور خلية النحل العاملة، بلدية تعمل في الليل بينما الـمواطنون نيامي لضمان النظافة العمومية و الإنارة و إصلاح الـمنشآت القاعدية، و تَصِلُ الليل بالنهار في تقديم عدد كبير من الخدمات الإدارية والتقنية دون كلل أو ملل.
إني إذ أهنئكم بعيدكم الوطني هذا أُهيب بكم أن تكونوا في مستوى رمزيته و تغالبوا التحديات التي تواجهكم بنفس الشجاعة والاقتدار اللتين تحلى بهما من سبقوكم.
و ختاما أغتنم هذه الفرصة لدعوة كل أطياف الـمجتمع لِلإِلْتِفَاف حـــول مؤسســــات الــــدولة ودعمها والتجاوب معها، لاسيما منها البلدية حتى نتمكن سويا من الانتقال نحو تحقيق أهدافنا التنموية و نُنْزِلَ بلادنا المنزلة اللائقة بها في حضيرة الأممي كما أدعو كل الشركاء السياسيين إلى وضع اليد في اليد وخدمة الـمواطن و الوطن سويا والنهوض ببلادنا.
وفق الله مسعاكم و سدد خطاكم
الـمجد والخلود لشهدائنا الأبرار
و السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.