وأنا أشاهد الفیلم الوثائقي والذي يحمل اسم (حتى لا ننسى) والذي بثه التلفزيون الجزائري لیلة الجمعة الماضية تقاطرت عشرات الأسئلة على عقلي منها ظرفية بث الحلقة ما السبب وراء نشر صور صادمة للمجازر الجماعیة التي ارتكبت في تسعینیات القرن الماضي و التي لم يتم إظھارها من قبل ولماذا خرجت للعلن الان وفي الوقت الذي يطالب الكثير بتفعيل المادة 102 ومحاسبة المفسدين الكبار.
تمكن نظام الحركي الديكتاتوري القمعي الحاكم للبلاد من ترويض الشعب وتحويله لقطعان ضعيفة خانعة منصاعة غير قادرة على تغيير واقعها المؤسف فسياسة التخويف هذه استمرت أمدا طويلا فكانت عواقبها وخيمة على المواطنين حين تجلت في مستوى التخلف الحضاري وتفاقم معدلات الفقر والجهل والظلم والاستنزاف لموارد وطاقات وثروات البلاد والانجرار الأعمى خلف سياسات الغرب ومصالحهم. فهناك بحوث كثيرة نشرت لتفسر ظاهرة ترويض الشعوب وأغلبها يتحدث عن استخدام نظريات علم النفس على رأسها نظرية الاقتران الشرطي الذي توصل إليه العالم بافلوف بتجربته الشهيرة مع الكلب وهي تجربة عمد فيها بافلوف إلى ربط الطعام بصوت الجرس حتى أصبح لعاب الكلب يسيل بمجرد أن يسمع صوت الجرس وكذلك الحركي ربطوا مطالبة الشعب بحقوقه بالعشرية السوداء فلا شك أن نظام الحركي أتقن فن الترهيب والتخويف ولم يزل الخوف هو الشعور المشترك بين المواطنين منذ زمن بعيد ويتلخص هذا الخوف من الموت و السجن والتعذيب والفقر والحرمان والمستقبل والذي وصل أحيانا كثيرة إلى درجة الرعب والشلل التام والانطواء والتخلف فبرغم ما يكنّه القلب من بغض شديد وكراهية لهذا النظام إلا أن الجرأة على الإنكار تصل إلى درجة الصفر خشية عواقب هذا التمرد لقد نجح نظام الحركي الحاكم في الربط بين العقاب الصارم الذي لا مفر منه وبين أي تمرد أو سلوك أو فعل أو حتى قول يمكن أن ينال من النظام الحاكم. فترسخ لدى الناس مفهوم أن مطالبة بالحقوق يعني الردع يعني العقاب فيكون التثبيط والخنوع هو الرد الشرطي المقترن في كل حالة لأن النظام لا يعترف بشيء إسمه المعارضة أو النقد فكلما ذكرت معارضة أو ذكر النقد قابلتهما أساليب الترويض ليس فقط بالتخويف والقمع بل بتطبيق كل السياسات الناجعة لإحكام القبضة وضبط هذا الشعب بما يوافق مصالحه فبدل أن يستخدم العصا وحدها استخدم معها الجزرة أيضا والجزرة هي الترغيب والتحكم الناعم الذكي الذي يستغفل الشعب ويقربه من النظام الحاكم فيخدعه بشعارات الحرية والديمقراطية بينما يُبقي على جوهر الاستبداد. وهذا ما يفسر لماذا يحرص النظام على إقامة انتخابات رئاسية والإعلان عنها في كل وسائل الإعلام بفخر.
يجب علينا كسر حاجز الخوف تماما والتخلص من شعور الوهن والعجز والفشل وتعزيز الإيمان بالقوة والقدرة على التغيير بالعزم والإصرار وبالنظر لتجارب الشعوب التي ثارت فاقتلعت النظام الحاكم وإن كانت تجارب نادرة أو فاشلة و استمراريتها مرهونة إلا أنها نجحت في الأخير بوحدة الشعب ووحدة المطلب والثبات على خط الثورة الواحد المستمر والمنظم الهادف الواضح الرؤية وبالإدراك التام لألاعيب وسياسات التخويف والقمع لنظام الحركي.