الصالح العام له دواليبه التي لا يمكن أن تتعطل إلا أن المحسوبية و الزبونية تعرقل هذه الدواليب عندما تمكن من لا يستحق من التسلل إليها ليعمل عكس سير هذه الدواليب المحركة لعجلة الصالح العام الضخمة . فكم من قطاع في البلد يعرف التأخر أو التعطيل أو حتى الشلل التام ويكون سبب ذلك وجود (مسؤول ) آل إليه الأمر عن طريق المحسوبية أو الزبونية وهو غير مؤهل لتحمل المسؤولية وإنما وصل إليها بطريق غير مشروع إما برشوة مادية أو بجاه سواء كان جاه قرابة أو جاه حزب أو طائفة … أو حتى بعرض مباح أحيانا . و (المسؤول ) الواصل إلى المسؤولية التي تفوق كفاءته وقدره عن طريق المحسوبية والزبونية دائم التبجح بالكفاءة والأهلية لأنه يقر في قرارة نفسه أنه حصل على مسؤولية ليس أهلا لها وهو يعلم علم اليقين أن الرأي العام يستنكر حصوله على هذه المسؤولية تماما كما أنه هو نفسه غير مقتنع بأهليته لتبوأ هذه المسؤولية ومع ذلك يعطل ضميره ويحاول جهده وباستمرار إقناع الرأي العام بأنه في مكانه المستحق بطرق شتى أشهرها إلى درجة الابتذال وسائل الإشهار المختلفة حيث يعتمد على شرذمة من الوصوليين والانتهازيين من أصحاب المصالح الخاصة أمثاله ليقوموا بدور الدعاية الرخيصة له وتمجيده كذبا وزورا وهم الذين سماهم المصلح عبد الرحمان الكواكبي رحمه الله المتمجدين الذين يصنعون الاستبداد.
المحسوبية والزبونية تؤدي إلى الفساد الإداري والاجتماعي وكيف يؤدي ذلك الفساد إلى فساد عام له ظواهر اجتماعية وتداعيات خطيرة منها تفشِّي الظلم في المجتمع والإحباط وانتشار الحقد والحسد بين أفراد المجتمع والفساد الإداري للمؤسسات وما يترتب عليه من قتل الإبداع والابتكار لدى الأفراد وفقدان الثقة في معايير المجتمع وغياب المواهب وانتشار الإحباط والجهل والفقر وتدني المستوى المعرفي والمهاري لدى الأفراد واتساع الفجوة الاقتصادية بين طبقات المجتمع والخروج على القانون وانتشار الفوضى وغياب الأمن وسرقة الأموال العامة وفتور الشعور بالانتماء والمواطنة والهجرة إلى خارج الوطن.
عندنا في الجزائر بحت حناجر الأحرار وهم يصرخون كل يوم منددين بتحويل البلاد إلى ضيعة عائلية يمكن أن تجد فيها الأصهار والأعمام والأخوال. وفي كل مرة يصدر فيها مقال أو تحقيق حول هذه الضيعات العائلية ونكتشف فيه تنصيب اسم جديد من هذه الأسر على رأس مؤسسة عمومية أو حكومية. وإلى حدود اليوم نرى كيف يسيطر أبناء المسؤولين على أغلب مناحي الحياة اليومية للجزائريين فهم في الماء والكهرباء والكرة والصحة والخارجية وجزء من الداخلية والشؤون العامة للحكومة والوزارة الأولى والطرق السيارة. والكارثة أن بعض هؤلاء الوزراء عندما ينجحون في الحصول على حقيبة وزارية يصنعون المستحيل لتمكين أبنائهم وأحفادهم من مناصب المسؤولية في قطاعات قريبة منهم. وهكذا رأينا كيف بدأ الجيل الثالث من «اسر المسؤولين» يعلن عن نفسه بشكل لافت للانتباه.
وكأن أبناء هذه العائلات هم وحدهم من درس وحصل على شواهد في هذه البلاد. وعندما يحتج الأحرار وينتقدون هذا الاستغلال الفاضح للسلطة للاستفادة من تنصيب الأهل والأحباب في مناصب المسؤولية، تسمع احتجاجات من المقربين (الشيات) من هاته الأسر يتذرعون فيها بكون كل هذه التعيينات التي يستفيد منها أقرباؤهم وأبناؤهم ليست سوى محض مصادفات. كما أن بعضهم أصبح يهدد هذه الأحرار بالمتابعة القضائية بتهمة المساس بالعائلات المقدسة وهذه طريقة بالية لتخويف الأحرار من الاقتراب من إمبراطورية هذه الأسر والأنسب كان سيكون هو توقف هذه العائلات عن استغلال نفوذها السياسي لتنصيب المزيد من أبنائها وأقربائها في مناصب المسؤولية. نحن في الجزائر لا نعاني فقط من سياسية المحسوبية والزبونية ولكن أيضا من سياسة «أخته عندها مؤهلات» وهي سياسة متبعة في جميع القطاعات سواء كانت عمومية أو خصوصية.