الرشوة في الجزائر واقع متعارف عليه منذ أمد طويل، حتى أصبحت الرشوة تعتبر نفسها من السكان الأصليين للبلاد، وربما أقدم مهنة في البلاد. وتتحدث مصادر تاريخية عن أن الرشوة في البلاد كانت تكتسب طابعا قريبا من الشرعية. ففي أيام الاستعمار كان المسؤولون الخونة يصلون إلى مناصبهم عن طريق دفع الرشوة للمسؤولين الأعلى منهم مركزا. وحين يتحملون المسؤولية فإن أول ما يبدءون به هو ابتزاز الناس العاديين، لكي يسترجعوا من خلالهم المبالغ التي دفعوها لحصولهم على المنصب. وعادة ما يفعل هؤلاء ذلك بكثير من السرعة والعجلة، قبل أن يأتي أشخاص آخرون ويزيحوهم عن مناصبهم بعد أن يدفعوا مبالغ أعلى لمن يعينون ويعزلون. وهكذا حدث في البلاد ما يشبه التطبيع التاريخي بين المواطن العادي والرشوة. ومما زاد في استفحال هذه الظاهرة ارتفاع نسبة الأمية وخوف المواطن العادي من المسؤولين لأسباب كثيرة.فقد كشف مؤشر الفساد والرشوة للعام 2016، الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية، ترسبارنسي الدولية أن الجزائر لاتزال في الرتب المتدنية من حيث الدول الأكثر فسادا.جاءت الجزائر في الرتبة 108 من بين 176 دولة حول العالم.
وعلى هذا الأساس فإن الحديث عن ظاهرة الرشوة طبعا يستدعي التذكير والتعريف بهذه العدوى المحرمة منذ نزول الوحي وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، حيث أن الرشوة لغة بفتح الراء أو ضمها أو كسرها ، هي الجعل وشرعا هي كل ما يعطي لإبطال حق أو لإحقاق باطل وحكمها التحريم بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع علماء المسلمين قديما وحديثا و الرشوة في الشريعة ينظر إليها بكونها مال حرام لا يحل كسبه ولا أكله وهي محرمة على الآخذ والمعطي والوسيط الذي بينهما وتعمل على تغيير الأوضاع وقلب الحقائق، و جاء في سورة البقرة الآية 187 ” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون“ .
شيوع الرشوة من أخطر العوامل المساعدة على تثبيت حالة التخلف والضياع الذي يعاني منه الشعب على عدة مستويات، وهي تغذي جميع أنواع الفساد في البلاد، ومن المعلوم عقلا، والمشاهد حسا وتجربة، أن للرشوة آثارا نفسية وإجتماعية وخلقية وإقتصادية وسياسية وخيمة، وفي هذا الصدد يلاحظ بعض المراقبين أنه هناك تراخي واضح في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة في بلادنا، حيث تغيب الصرامة والرقابة المطلوبة لمواجهة العابثين الذين يستغلون نفوذهم وسلطتهم ومراكزهم لتضخيم حساباتهم البنكية عن طريق الرشوة، وللإستخفاف بآمال وطموحات الشعب. من أراد أن يطَّلع على حجم معاناة المقهورين بسبب بعض المشاكل الكبيرة التي سببتها الرشوة يكفي أن يدخل لأقرب مستشفى حكومي ليرى بأم عينه ما يكابده بعض المتضررين من هذه الآفة التي أصبحت ضريبة لازم يدفعها الزوالي للمسئولين الذين كلفوا (بخدمة الوطن).
المرتشون سوسة المجتمع التي تنخر المبادئ والقيم وركائز الحضارة، فهم منتشرون في كل مكان، يكفي أن نذهب إلى أي بقعة على أرض الجزائر، ثم نتظاهر بالبحث عن من يحل لنا مشكلة ما عويصة سنجد من يرافقنا إلى من يدلنا على سرداب مهدي الشيعة في وقت وجيز. فهل عجزت الدولة على أخذ إجراءات ملموسة عاجلة وصارمة في هذه القضية لمعاقبة الراشي والمرتشي على حد سواء بأقصى العقوبات لعلنا نحبس عجلة التقهقر إلى الوراء؟ لا يمكن أن يتقدم المجتمع و المسئولين القائمين على تسيير مؤسسات وإدارات هذا البلد مرتشون ولهم أعوان يساعدونهم على مرأى ومسمع كل ذي بصيرة وبصر.