فرض قنوات فاشلة تستحمر العقل البشري على الشعب هو أبشع أنواع الاستبداد لان هذه القنوات تؤدي إلى تغيير في سلوك الأفراد داخل المجتمع نظراً للمحيط الذي تخلقه. ومن سمات وخصائص هذه القنوات زرع الخوف والحذر وعدم الثقة بين المواطنين وخداعهم والمكر بهم واستخدام اسلوب التخوين ضد كل مناوئ لنظام .وكون النظام يدرك أن الشعوب ستثور عليه إن توفّرت لها الظّروف فإنه يلجأ إلى تشويه الحقائق باستخدام كل الوسائل المُتاحة وخاصة الإعلام لتزييف وعي الجماهير وضمان وقوفهم إلى جانبه ضد من يسمونهم بأيادي الخارجية وبذلك يُستَخدَمُ الإعلام كوسيلةٍ للترغيبِ والترهيبِ وتطويعِ الجماهير لإرادته.
وتتم البرمجة الاجتماعية لصناعة المواطن الخانع النموذجي لهذا النظام المستبد عن طريقة تسمى (الفيل المطيع) وهي كالتالي يعتاد فيل السّيرك منذ صغره ربطه بشجرةٍ كبيرةٍ بواسطة حبلٍ غليظٍ ومتينٍ لكي لا يتحرك من مكانه ويحاول الفيل مرّات عديدة التحرّر من قيدِهِ ولكنه يعجز عن ذلك نظراً لأن الحبل متين والشجرة قوية ولكونه صغير. وعندما يكبر هذا الفيل ويصبح بطبيعته قادراً على اقتلاع الشجرة أو قطعِ أغلظِ الحبالِ بسهولة إلا أنه لا يستطيع التحرّر من قيده حتى لو ربط بحبلٍ رقيقٍ وبعمودٍ هش. والسّبب في ذلك أنه قد زَرَعَ مراراً أو تكراراً في اللاوعي عند الفيل فكرة عجزه عن التحرر من قيده منذ صغره حتى أصبحت جزءاً من نظام معتقداته التي لا تقبل التشكيك في كبره وبذلك يصبح المدربون مطمئنين إلى أن الفيل الضّخم القوي أصبح عاجزاً عن التمرد وبإمكانهم التحكّم فيه وضبطه والسيطرة عليه. وكذلك الحال في مجتمعنا يتم تأطير وضبط جميع أفراد المجتمع من خلال الإيحاء والإعلام الموجّه والإعلان والثّواب والعقاب فيصبح إنسان هذا المجتمع كالفيل المُطيع لا يدرك قوّته وقد تأصّلت فيه فكرة عجزه عن اكتساب حريته.
إن مجتمعنا لكي ينفك من قبضة الحركي وزبانيّته يحتاج إلى تضحيات كبيرة لأنه سيواجَهُ بأعدادٍ كبيرةٍ من شياتة النظام لا يجدون أي حرجٍ أو خوفٍ أو رادعٍ من ارتكاب أفظعِ وأبشعِ الجرائم ضد المواطن الذي يأبى أن يرضخ ويركع للحركي.