بعدما ظهرت في فيديو على مستوى منصات التواصل الاجتماعي مع بدايات الحراك الشعبي، مذعورة وباكية وتتحدث عن فساد خطير ومساس بمصالح المواطن وسمعة الجزائر في مؤسسة تسيير مطارات الجزائر، وتعاطف معها ملايين الجزائريين، وجدت المكلفة بالتحقيقات بهذه الشركة، فاطمة الزهرة مشلوف، نفسها متهمة بالقذف أمام قضاة محكمة الدار البيضاء نهاية الأسبوع الماضي في الجزائر العاصمة.
و حسب الخبر التي أوردت الخبر، فإنهكانت المتهمة تعتقد أنها قامت بواجب وطني أملاه ضميرها الحي، عندما بلّغت عما وصفته بممارسات غير قانونية الى الرأي العام عبر فيديو لايف، بعدما كانت مخبأة في الأدراج او ضمن شكاوى وتقارير مرفوعة لمسؤوليها المباشرين، غير أنها فوجئت بأنها تحولت الى المتهمة رقم واحد.
انطلقت مجريات المحاكمة، يوم الثلاثاء الماضي في حدود الساعة الثانية مساءً، واستهلّها قاضي الحكم بشرحه للمتهمة بأنها متابعة بجنحة القذف، على خلفية إجراء فيديو مباشر بمنصات التواصل الاجتماعي، ذكرت فيه بأن ثمة ممارسات فساد على مستوى مؤسسة تسيير المطارات، دون وجود قرارات قضائية أو أدلة مادية تثبت ذلك.
تلا هذا الشرح المقتضب حزمة من الأسئلة حول دوافع وملابسات تلك الأفعال، ثم فسح المجال للمعنية لتدافع عن نفسها .. واجهت هذه الأخيرة التهم بقولها، إنها بصفتها مكلفة بالتحقيقات على مستوى مؤسسة تسيير المطارات، وقفت على خروقات خطيرة تمس بمصلحة المواطنين والمال العام، وكانت قد حررت حول ذلك تقارير مفصلة ورفعتها لمسؤوليها المباشرين غير أن لا شيء يتغير ولا أحد يتجاوب، بل العكس “كنت أتعرض لضغط كبير يصل الى التهديد والتجريح والاستهزاء”.
بدا القضاة ودفاع المتهمة مدركين أن القضية ليست عادية، بوصفها كسبت تعاطفا كبيرا ونالت متابعة من قبل الرأي العام، وتبعتها إشاعات حول إنهاء مهام مدير المؤسسة وأيضا معلومات حول تدخل وزير العدل بلقاسم زغماتي في القضية، بعدما تم فصلها من العمل على خلفية مضمون الفيديو.
يتناول القاضي الكلمة مجددا، ويسأل عما اذا اتبعت المتهمة القنوات الادارية والتراتبية الهرمية في مثل هذا الحالات، و كذا عما قالت في الفيديو بالضبط؟ لترد الأخيرة بأن لا أحد كان يسمعها وهي ترفع تقاريرها وتكشف النقائص على مستوى الادارة وإنما قوبلت باستهزاء وضغط وحتى تكسير لمكتبها.
أما بخصوص مضمون الفيديو، فذكرت وهي واثقة من نفسها “قلت بأن هناك فساد مثبت بمؤسسة تسيير المطارات وهنا يتدخل القاضي “إن الاتهام بالفساد يستدعي أحكام صادرة عن القضاء وليس بإطلاق ذلك على مستوى الفضاء الافتراضي”.
تستعيد فاطمة الزهراء الكلمة وتسترسل لقد قمت بواجبي المهني والأخلاقي، وكتبت وتكلمت حول أمور تمس بالشعب الجزائري، بعدما انسدّت في وجهي كل الأبواب وفشلت كل الحلول.
بعد لحظات من استجواب قاضي الحكم للماثلة أمامه، تتدخل وكيلة الجمهورية، “ليس سهلا أن نبث فيديو ونتهم أشخاصا بالفساد .. هذا تصرف غير قانوني” قبل أن توجه سؤالا بنبرة شديدة: هل تقبلي بنشر فيديو يخصك ويتهمك بالفساد؟ لتجيب المتهمة: “إذا كنت فاسدة وشخصية عمومية من حق الناس الكشف والتبليغ عن فسادي”.
تستأنف وكيلة الجمهورية كلامها بوابل من الأسئلة .. لماذا لم تتصل بنيابة المحكمة وتبلغي عما رصدته من أفعال ولماذا لم تخبر مصالح الأمن قبل أن تفكري في إجراء فيديو، وهل أنهيتي المشكلة بهذا السلوك؟ وعندها قالت المتهمة بأنها اتصلت بنيابة المحكمة وكل مصالح الأمن على مستوى المطار قبل أن تجري الفيديو، وعرضت عليهم كل التجاوزات وطلبت منهم الحماية، لكونها صارت تعيش تحت الضغط والتهديد.
حينها، ختمت وكيلة الجمهورية تدخلها بالقول “يجب على كل اتهام أن يكون مصحوبا بالأدلة والوثائق، ويتم وضع كل ذلك أمام القضاء وليس في فيديو على مستوى منصات التواصل الاجتماعي”.
وفي خضم الأخذ والرد، طرحت محامية المؤسسة فكرة أن المناقشات ابتعدت عن موضوع القضية والمتمحور حول تهمة القذف وصارت تدور ظروف إجراء الفيديو وما يجري في المؤسسة، ليصحح القاضي أن الأمر لا يتعلق بإثبات الفساد بقدر ما يتعلق بإثبات القذف من عدمه، بالتالي وجب التقيد بادعاءات القذف وليس بادعاءات الفساد، مشيرا إلى أن عناصر القضية مترابطة.
بعد استماع القاضي لطلبات وكيلة الجمهورية التي التمست تسليط عقوبة 6 أشهر سجن نافذة و20 ألف غرامة مالية، فتح باب المرافعات أمام محامية المؤسسة التي ذكرت أن العبارات الواردة في الفيديو تتضمن أركان القذف مستشهدة بنص القانون.
وفي منظور المتحدثة، فإنه قد وقع خلطا بين حرية التعبير وجريمة القذف التي مست بشرف المسؤولين، وضروري إقامة العدالة بصرامة حتى يوضع حدا لهذه التصرفات التي أدت إلى التلوث الاجتماعي.
بدورهم، رافع محامو المتهمة رمضاني فيصل وقريشي عبد الحفيظ، بالارتكاز على أن موكلتهم قدمت عدة شكاوى قبل إجراء الفيديو، وأن ما جاء في هذا الأخير لا يعد قذفا، لأن الكثير من الجزائريين المظلومين بعد 22 فيفري شكوا وجاهروا بالظلم الذي تعرضوا لهم على مستوى منصات التواصل وحتى القنوات التلفزونية، مشيرين إلى أنه لو جرت هذه الوقائع في دولة متقدمة لكوفئت المعنية بوسام استحقاق وطنية، خصوصا أن المتهمة لم تذكر أسماء وصفات بعينها وكذا كونها صمدت أمام التهديدات وغامرت من أجل المصلحة العامة.
وبرر المحامون بأن ما قامت به موكلتهم ينطلق من تشجيع المؤسسة العسكرية والأمنية على التبليغ عن الفساد والمفسدين، وأن الشعب ثار بالملايين ضد هذه الظاهرة، داعين هيئة المحكمة للنظر إلى العناصر المحيطة بالملف والأخذ بها.
ولا يعتبر هؤلاء خرجة فاطمة الزهراء قذفا، مادام أنه يفتقد لعنصر سوء النية، وإنما ينطلق من ضمير مهني حي بوصفها مكلفة بالتحقيقات على مستوى المؤسسة، بالتالي في السؤال المحوري، في نظر الدفاع، هو لماذا قامت المعنية بهذا السلوك؟ ليجيبوا على أنفسهم : “لأن لا أحد كان يسمعها” بالتالي يضيف هؤلاء “الحل هو فتح تحقيق في أقوالها وادعاءاتها وليس متابعة المبلغ.