تجري الجهات الأمنية والإدارية المختصة، تحقيقات موسعة لكشف جميع الظروف التي سبقت حملة الهدم الفجّة التي استهدفت بنايات خاصة ومأهولة في عدة ولايات خلال الأسابيع الماضية، وتحرّكت الجهات المختصة بناء على توجيهات محددة بعدما أثار “هول الحملة” غضب وتدخّل الرئيس عبد المجيد تبون.
انطلقت الفرق المختصة في إعداد تقارير مفصلة سترفع إلى السلطات العليا الأيام المقبلة، لتحديد مسؤولية جميع الجهات المحلية التي باشرت عمليات الهدم الواسعة في وقت واحد، والتي طالت مباني وسكنات تابعة لمواطنين وحتى مؤسسات خاصة دون تمكينها من التسوية المكفولة في القانون.
وحسب مصادر إعلامية، فإن التحقيق حصر دوافع استهداف مناطق دون غيرها، كما يجري تحديد كل الظروف التي أحاطت بإطلاق عملية هدم “فجة وموجهة” ضد بنايات صلبة وحديثة يحوز أصحابها على وثائق تمليك أو حيازة فعلية.
وسيخضع الكثير من المسؤولين المحليين، حسب مصادرنا، إلى المساءلة، كونهم لم يستنفدوا كل الحلول المتاحة وعطّلوا سبل التسوية التي تقرّها قوانين تسوية العقارات ومطابقتها، ومسؤولين ذهبوا إلى الحلول الردعية القاسية التي وسّعت من دائرة الغبن والأسى لدى عشرات العائلات التي كانت أنفقت مبالغ كبيرة وعلى مراحل في عمليات تشييد البنايات تحت أنظار مختلف المصالح التقنية وعلى مر سنوات !! قبل أن تنسف أحلامها جرافات سخّرتها السلطات الإدارية مؤخرا.
وفي هذا الشأن، اطّلعت الجهات المختصة على تقارير كشفت عن قيام مسؤولين محليين عالجوا ملفات الهدم بانتقائية مفضوحة وبنزعة ضيقة تحت غطاء “تطبيق القانون”، كما اطلعت المصالح الأمنية على شكاوى موثّقة تكشف “تعسف في استعمال السلطة” سبقت حملة هدم مختلف أصناف البنايات الصلبة والحديثة التي عرفتها عدة مدن كون ضحايا الحملة يثبتون أحقيتهم في التسوية والمطابقة في إطار القانون 08/15.
وسيتم دراسة حالات قدّمت وثائق حيازة وشهادات إدارية، غير ملغاة من طرف العدالة أو السلطة الولائية المختصة، ناهيك عن حالات أخرى راحت ضحية أخطاء في المعالجة والتقدير وحالات أخرى أزيلت بالقوة رغم إثبات تواجدها في بعض المواقع لعقود.
ومن المنتظر أن تتوسع التحقيقات لتشمل مختلف الجهات المحلية التي غابت عن الميدان أو تغاضت عن عمليات البناء طيلة السنوات الماضية، خاصة التي أخلت بمهامها الرقابية في ضبط التوسع العمراني، وتلك التي غابت في فترة سابقة حينما وضعت مساحات واسعة من العقارات المملوكة للخواص للبيع رغم كونها غير قابلة للتعمير.
وحسب نفس المصادر، فإن الكثير من القرارات التي صاحبت هذه العملية وصفت بالمشبوهة، وأن عدة ترقيات عقارية وبنايات سويت بالأرض لدواع أخرى.
ووفق نفس المصادر، فإن السلطات العليا ستفحص عمليات الهدم حالة بحالة، خصوصا البنايات التي حرم أصحابها من التدابير التي جاء بها القانون وكذا البنايات التي كانت محل ملفات تسوية لدى المصالح التقنية، والتي لم تجد طريقها للشباك الوحيد المخصص لدراسة كل طلبات التسوية.
وتمتد التحقيقات لاحقا إلى البنايات التي أنجزت فوق نسيج عقاري غير فلاحي أو غابي، والتي لم تكن محل اعتراض من طرف اللجان التقنية للدوائر أو مصالح العمران أو تلك الخالية من الموانع القانونية والتقنية وكذا الحالات القابلة للتسوية.
وتحركت مصالح الأمن على خلفية تداول عشرات المقاطع المصوّرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لمواطنين أطلقوا نداءات استغاثة لكافة السلطات العليا في البلاد، للتبليغ عن “الظلم والتعسف” الذي طالهم في الفترة الأخيرة بذريعة “تطبيق تعليمات الولاة”.
النداءات التي توسعت بفضل وسائط التواصل الاجتماعي وتقارير أعدها التلفزيون العمومي، بلغت أعلى السلطات ودفعت الرئيس عبد المجيد تبون، إلى الحديث عنها بمناسبة لقائه الدوري مع ممثلي الصحافة الوطنية، أين شدّد على ضرورة وقف الحملة التي تزامنت مع فصل الشتاء وتوجيه الجهاز الحكومي بضرورة استنفاذ كافة التدابير الأخرى مع التأكيد. وستفضي التحقيقات إلى إعداد ملف يسبق تشكيل اللجنة الوزارية المشتركة التي ستدرس مختلف الوضعيات العقارية العالقة، تماشيا مع توجيهات الرئيس تبون الذي شدد على أن عمليات الهدم ينبغي أن تفصل فيها لجنة مختصة تحت وصاية وزيري السكن والداخلية.
كما أن مستهدفين من العملية قدّموا وثائق حيازة وشهادات إدارية غير ملغاة من طرف العدالة أو السلطة الولائية المختصة، ناهيك عن حالات راحت ضحية أخطاء في التعيين، وحالات أخرى أزيلت بانتقائية وتمييز متعمّدين ضد عائلات أثبتت تواجدها في بعض المواقع لعقود.