يرى عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، أن عدم احتفاظ رئيس أركان الجيش الجديد بمنصب نائب وزير الدفاع في الحكومة، يمكن أن يكون خطوة حاسمة نحو تمدين العمل السياسي نهائيا. وأوضح في هذا الحوار للبر، أن حزبه يحاول استدراك فرصة ندوة عين البنيان في جويلية الماضي التي جمعت جزءا من المعارضة ولم تنفّذ مطالبها.
طالبت مؤخرا بإنصاف حمس بسبب استهدافها بالتزوير الانتخابي. ألا ترى أنه من الإجحاف ربط موضوع التزوير بحمس فقط، بينما معظم الأحزاب السياسية اشتكت منه سواء في التيار الإسلامي أو غيره؟
لو تراجع الفيديو ستجد بأنني لم أربط موضوع التزوير بالحركة فقط، ولكن هي الأكثر تضررا والأكثر استهدافا. وهو شيء منطقي أن نكون الأكثر تضررا لأننا نحن من واجهنا جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي منذ بداية المسار الانتخابي في كل الولايات وبدون انقطاع، الأحزاب الأخرى بعضها ليس له الانتشار الذي يسمح لها بالترشح مثلنا في مواجهة أحزاب الموالاة، وبعضها لم يكن منافسا في كل الانتخابات منذ بداية المسار الانتخابي. مع أنني أؤكد لك أن السلطة كانت في بعض الأحيان تزوّر لصالح أحزاب المعارضة ضدنا في إطار لعبة التوازنات التي تدور في كل الأحوال علينا. والأمثلة كثيرة ومدوّنة. أذكر لك حالة مشهورة في الانتخابات التشريعية 2012 أعلن عن نجاحنا بثلاثة مقاعد في ولاية من ولايات الغرب، ثم نزع المجلس الدستوري المقعد الثالث لصاحبه بروفيسور معروف في الجامعة وأعطِي لامرأة دون مستوى رغم المحاضر التي كانت بحوزتنا، وكان حزب هذه المرأة في المرتبة السادسة بعيدا كل البعد، وقبله أحزاب أخرى لم تأخذ أي مقعد، ورغم الاعتراف بالخطأ لذلك البروفيسور حين قابل أحد أعضاء المجلس الدستوري شاكيا لم يصحح الخطأ. وهناك حزب آخر في المعارضة أخذ مقاعد لنا في 2002 وآخر في 2012، والأفضل أن نترك “البير بغطاه” وإلا لا أحد يستطيع أن يقابل آخر.
وظّفت الأسبوع الماضي في ندوة صحفية مصطلح العصابة في الإشارة إلى من قلت إنهم ظلموكم في السنوات السابقة. ألا ترى أن هذا الوصف يدين حمس أيضا كونها شاركت في كل حكومات بوتفليقة حتى 2012، ودعمت وصوله للرئاسة وزكت فتحه العهدات الدستورية سنة 2008؟
لم يصبح أحد يقتنع بهذا الكلام، الأحزاب في العالم تحاسب على الفساد والفشل في تجربة الفشل وليس عن آرائها واختياراتها السياسية، ونحن لم يجرجر رجالنا للمحاكم ولا يستطيع فاسد أن يبقى معنا، ولم يتهمنا أحد بالفشل. أما عن سؤالك عن الخيارات السياسية فلو تتذكر تاريخ النضال السياسي للحركة الوطنية زمن الاستعمار إلى غاية 20 أوت 1956، وتاريخ الحركة الإسلامية التي تقود تركيا اليوم كيف كانت تمارس السياسة زمن هيمنة العسكر الانقلابيين، والتاريخ السياسي في العالم الديمقراطي، حيث تتحالف حكوميا أحزاب تتهم بعضها بعضا بالفساد، ستشعر بالحرج يا سيدي الكريم حين تطرح هذا السؤال. ثم ما قولك في الشخصيات والأحزاب التي كانت في مستويات عليا في الدولة وهي اليوم في المعارضة ولا أحد يتهمها عن مسارها القديم في السلطة، بل بعضهم يقدَّمونها كبديل، وثمة من هؤلاء من هو متورط في التزوير الانتخابي إلى النخاع؟ لماذا الكيل بمكيالين، ولماذا يثمّن موقف استقالة بعضهم من الحكومة سابقا – ونحن نحترمهم ونقدّرهم كثيرا – و لكن لا تثمّن الاستقالة الجماعية لحزب بكامله من الحكومة في زمن البحبوحة المالية، (وللتذكير تم ذلك سنة كاملة بعد ظهور انكسار “الربيع العربي” حتى لا يقول البعض بأننا خرجنا بسبب “الربيع العربي”).
نحن حزب سياسي يشتغل وفق المتاح ويعمل على تطوير نفسه وتطوير البلد. يمكنك أن تقول بأن هذا الموقف أو ذاك أخطأت فيه الحركة، ولكن لا يمكن أن تعتبر حديثنا عن العصابة يديننا، نحن كنا ننازع الفاسدين في كل المواقع ونتعاون مع الصالحين في كل المواقع، تارة نخطئ وتارة نصيب في التقديرات الجزئية، ولكن توجهاتنا الاستراتيجية أثبت الزمن صحتها، وفي الأخير الأحزاب التي كانت تستعملها العصابة سقطت ونحن واقفون باقون بحمد الله نواصل طريقنا، ولو نظر إلينا الشعب كما تعتقد في سؤالك لما استطعنا أن نكون جزء أساسيا في الحراك ولأسقطنا الشعب كما أسقطهم.
قدّم الرئيس الجديد خطته لتعديل الدستور مع المحاور الواجب التقيّد بها للجنة التي نصبها. هل استعمال تبون لنفس طريقة بوتفليقة يمكن أن يؤدي إلى نفس نتائج التعديلات السابقة؟
قلنا بأننا نحسن الظن ونحكم على الوقائع.
ما هي المحددات الأساسية التي ستحكم نظرتكم في الحركة إلى التعديل الدستوري؟
نحن نعتبر أن ثمة محددات أساسية تضبط نجاح العملية الدستورية ومنها طبيعة النظام السياسي من حيث تمثيل الحكومة للأغلبية البرلمانية وتوازن السلطات، والاستقلالية الفعلية للقضاء من حيث استقلالية المجلس الأعلى للقضاء، وشروط شفافية الانتخابات من حيث شفافية الكتلة الناخبة على وجه الخصوص وكذلك ضرورة تغليظ جريمة التزوير وحماية الإعلام من الابتزاز والتحكم والسيطرة، وحرية المجتمع المدني من حيث الاعتماد بمجرد الإخطار وعدم استعمال الجمعيات لغير أغراضها، وحماية السياسيين والأحزاب من الضغوطات والابتزاز ومحاولات الاختراق، وحماية الاقتصاد الوطني من حيث تغليظ جريمة الفساد بكل أنواعه ومراتبه، وكذا عدالة المنافسة والمساواة في الفرص.. الخ.
ما هي الآجال المناسبة التي تراها للتعديل الدستوري وحل البرلمان وتنظيم الانتخابات التشريعية المسبقة؟
أظن أن الآجال التي ذكرها رئيس الجمهورية في عدة مناسبات ولمحاوريه حسب ما علمنا معقولة، أي البداية بتعديل الدستور الذي يمكن أن يأخذ ثلاثة أشهر ثم قانون الانتخابات وربما قوانين أخرى وقد تكون الانتخابات التشريعية والمحلية في خريف هذه السنة أو نهايتها.
بدأ الرئيس الجديد سلسلة حوارات مع الطبقة السياسية. في حال اتصل بكم ما هو المتوقع، ما هي أبرز النقاط التي ستحدثه فيها؟
سنتكلم فيما ينفع البلد ويحقق المصلحة العامة ويخدم الجزائريين
تتحدث منذ مدة بنظرة نقدية للحراك الشعبي. كيف تنظر لمستقبله؟
لم يتغير خطابنا عن الحراك منذ بدايته. فقد دعونا لحفظ الحراك من الصراعات والاستقطاب الأيديولوجي والعرقي والجهوي والاستغلال السياسي لصالح هؤلاء أو هؤلاء. وما وقع من هذه التصرفات المؤسفة لا يوجّه للحراك كله، فالحراك لا يزال قادرا على تحقيق أهدافه النبيلة، ونحن جزء منه من البداية إلى الآن، ولكن اللوم يوجه للذين يعملون على تسميمه بهذه التوجهات بمختلف أنواعهم، سواء بسبب الغفلة وقلة الوعي أو عن قصد ودراية.
خلت الحكومة الأخيرة من منصب نائب وزير الدفاع، كيف تنظر لهذه الخطوة وتأثيرها على صناعة القرار السياسي في البلاد؟
هي خطوة جيدة بكل تأكيد وكانت لا شك محل اتفاق بين الرئيس والمؤسسة العسكرية، يشكرون على ذلك، وأرجو أن تكون خطوة حاسمة نحو تمدين العمل السياسي نهائيا، فلا يشعر أي جزائري في المستقبل بالغبن والأسى إذا رأى المؤسسة العسكرية انحازت لشخص أو حزب أو قوة سياسية أو مجتمعية أو اقتصادية، ولو تحقق ذلك ستصبح المؤسسة العسكرية محل إجماع لدى الجزائريين، وهذا أعظم خير وبر ومصلحة تنالها الجزائر، يصبح الجميع يساند المؤسسة العسكرية ويقدّرها ويبجّلها دون أي تحفظ، وتتفرغ هي لأدوارها المقدسة في حماية الإقليم وأمن الجزائريين بكفاءة متصاعدة قادرة على صد كل المخاطر مهما عظمت.
طلب الرئيس الجديد إعداد قانون للتصدي لظاهرة التخوين على أساس جهوي وعرقي التي انتشرت بكثرة على مواقع التواصل، وذلك على خلفية اتهام أحد المسؤولين السابقين عبان رمضان بالخيانة.. كيف تنظر لهذه المسألة؟
دعونا إلى نبذ التخوين وخطاب الكراهية في وقت مبكر في عدة بيانات وتصريحات، ومن ذلك ما ورد في بيان المكتب الوطني يوم 15 ديسمبر مباشرة بعد الانتخابات في الفقرة الثانية من النقطة الرابعة لمن يريد الرجوع إليه. فنحن ممن طالب بهذا ولا يمكن إذن إلا أن نسنده. ولكن يجب أن نؤكد بأن هذا الإجراء القانوني يجب أن يطال كل أنواع التخوين وخطاب الكراهية مهما كان مصدره، وهذا فقط الذي يعطي المصداقية لهذا القانون.
لوحظ فقدان الاتصال بينكم وبين باقي أحزاب المعارضة التي عملتم معها في مازافران وقبلها مثل الأرسيدي. هل وصل الحد إلى الطلاق النهائي بينكم؟
نحن دعاة توافق وبذلنا وسعنا للاجتماع والتعاون منذ بداية الحراك إلى غاية مبادرة عين البنيان، ولسنا نحن من ترك التنسيق بين الأحزاب، ولكن الخيارات السياسية المتباعدة هي التي فعلت ذلك، وما دمت ذكرت الأرسيدي، فأنا شخصيا انتقلت مع وفد من الحركة إلى مقرهم في الأسبوع الأول أو الثاني من الحراك ودعوناهم لإحياء مشروع مازفران، فقالوا نحن لا ننسق إلا مع من يبيّن موقفه بأنه مع القطيعة. ولا أدري ما المقصود بالقطيعة. الذي كنا متفقين عليه في مازفران هو الانتقال الديمقراطي السلس المتفق عليه. أحدث الحراك تطورا مفيدا في ميزان القوة، ولو اجتمعت الأحزاب في بدايته على فكرة التفاوض أو الاتفاق أو الحوار على الانتقال الديمقراطي لأمكن ذلك ربما. كنت قد نبهت في مازفران 2 في 2016 بأنه قد يخرج الشعب للشارع وإذا وقع هذا لا يجب أن نفترق من أجل المنافسة قبل الوقت (والتصريح مسجل ومنشور). ولكن للأسف هذا الذي وقع، ثم كانت فرصة عين البنيان ولم تستثمر، ونحن بعد الانتخابات الرئاسية نحاول استدراك ما يمكن استدراكه.
كيف يمكن استدراك ما يمكن استدراكه كما تقول؟
من خلال محاولة استدراك الانتقال الديمقراطي والتحول نحو دولة الحق والقانون والشفافية ونزاهة الانتخابات وحرية الإعلام والمجتمع المدني واستقلالية العدالة كما ذكرنا أعلاه، وذلك من خلال الحوار وأن يحمل المشاركون في ندوة عين بنيان هذه الأفكار في خطابهم السياسي وفي حوارهم مع رئيس الجمهورية وأثناء مناقشة مسودّة الدستور والقوانين المرتقبة.
تعيش ليبيا حالة انقسام خطير وتدخلات من عدة أطراف أجنبية. ما هو المطلوب من الجزائر في التعامل مع هذه الأزمة؟
أظن أن الجزائر تسيّر الملف بشكل جيد، فهي أكدت التزامها بشرعية حكومة الوفاق في طرابلس، ودعت إلى الحل السلمي الدبلوماسي من خلال الحوار بين الأشقاء الليبيين، وأعطت رسالة قوية للقوى الإقليمية والدولية بأن طرابلس خط الأحمر بالنسبة للجزائر، فاستلم الجميع الرسالة وأدرك الجميع بأنه لا يمكن تجاوز الجزائر. وبعد أن رفض حفتر الحوار في اجتماع روسيا، على الجزائر أن تكرر رسالة الصرامة وأن تواصل التعاون الدولي من أجل الحل السلمي في إطار الشرعية الدولية.