يرى عبد العزيز رحابي، السياسي الناشط في المعارضة، أن الرئيس الجديد مطالب بفتح حوار مع كل الطبقة السياسية لإيجاد اتفاق سياسي حول كيفية تحقيق الانتقال الديمقراطي والإصلاحات الواجب تنفيذها من أجل الوصول إلى انتخابات نزيهة. وقال إن على السلطة أن توقف نظرتها الأمنية للحراك الشعبي القائمة على رصد تعداد المتظاهرين، لأن الحراك فكرة ومطلب، حسبه، لن ينطفئا إلا بتحقيقهما، و ذلك من خلال حوار أجرته مع الخبر، و فيما يلي نص الحوار :
ما تقييمك للأسابيع الأولى لعمل الرئيس الجديد؟
من الصعب تقديم قراءة نهائية حول الوضع، فالرئيس لم يمض على تنصيبه مدة شهر، ولا يمكن في هذه الظروف الحكم على قراراته الأولى. ما أستطيع قوله، إن هناك بعض المؤشرات الإيجابية كفتح باب الحوار مع الطبقة السياسية، وهو ما أتمنى أن يتوسع ليكون في الأساس حول الانتقال الديمقراطي، بحيث يشمل الاتفاق السياسي العام والمراحل والرزنامة.
كيف تنظر إلى تبون. هل هو رئيس كامل أم منقوص الشرعية أم غير شرعي؟
نقص الشرعية يشمل الجميع وليس الرئيس فقط، لأنه لحد الساعة لم تنظم انتخابات شفافة تفرز تمثيلا شعبيا حقيقيا على كل المستويات. دعنا نتجاوز هذه الاعتبارات، وننظر إلى الرئيس الجديد على أساس قراراته التي هي من سيكسبه الشرعية. فإذا كانت قراراته تصب في اتجاه التهدئة وإعادة الثقة، فالأكيد أن الأمر سيكون خطوة في الاتجاه الصحيح. ما عشناه في الفترة الماضية لم يكن سهلا، لأن الواقع جعل من المؤسسة العسكرية سلطة سياسية، وهو وضع بالتأكيد لم يكن عاديا. في تلك الفترة عملنا على أن نؤسس لمرحلة جديدة تأتي في ظلها انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة، ينخرط فيها كل الجزائريين. لكن للأسف، أصحاب القرار، في تقديري الشخصي، تسرعوا ولم يعطوا للحوار وقته الكافي لبلورة تصور يحصل فيه الإجماع بين الطبقة السياسية.
هل أفهم من كلامك أننا عدنا بتنظيم الانتخابات الرئاسية التي لم تكن محل إجماع إلى نقطة الصفر؟
في اعتقادي يجب منح الرئيس الجديد فترة هدنة، وتركه يتخذ القرارات التي تساعد على التهدئة وإعادة الثقة.
لكن حتى بوتفليقة لما جاء في ظل نفس النظام استفاد من “هدنة” طويلة وانتهى الأمر إلى ما نعرفه جميعا. ألا تخشى من تكرار نفس السيناريو؟
أوافق على أن الانتخابات الأخيرة ضيعت على الجزائر موعدا مع الديمقراطية. مطالب الحراك السلمي الحضاري لم تعرف السلطة كيف ترقى بها إلى مشروع وطني. السلطة للأسف كانت قراءتها أمنية بامتياز، وطغى ذلك على مشروع المجتمع، وهذا ما لاحظناه على خطابات رئيس أركان الجيش الراحل وقراراته. ربما كانت له معلومات لا نملكها، لكن النتيجة كانت أننا لم ننجح في ظرف 10 أشهر في تحقيق مطالب الحراك وقبله مطالب المعارضة في مازافران الأولى والثانية الداعية لانتقال ديمقراطي سلس وتدريجي ومتوافق عليه. لكننا رغم ذلك نوجد اليوم في واقع آخر علينا التعامل معه.
هل تريد القول إن ثمة إمكانية لتتحول فترة حكم الرئيس الحالي إلى “عهدة تأسيسية أو انتقالية”؟
يمكن ذلك، إذا توفرت الإرادة، فالرئيس الحالي يملك، بحكم منصبه، كامل الصلاحيات الدستورية والأخلاقية ليقوم بذلك. يجب أولا تفعيل إجراءات التهدئة وإعادة الثقة، عبر إطلاق سراح معتقلي الرأي ورفع الضغوطات عن العمل السياسي ورفع الوصاية عن العدالة ووضع آليات حقيقية لمراقبة استعمال المال العام. إذا نجح الرئيس في تحقيق ذلك، وفتح حوارا مع كل الطبقة السياسية لإيجاد اتفاق سياسي حول كيفية تحقيق الانتقال الديمقراطي والإصلاحات الواجب تنفيذها من أجل الوصول إلى انتخابات نزيهة، سيكون كل شيء ممكنا، لأنني لا أتصور أبدا أن الانتقال الديمقراطي سيكون عبر المؤسسات الموجودة حاليا ولا عبر شظايا النظام البوتفليقي. كما أنني أؤمن بأن هناك مقاومة للتغيير وإصلاح النظام داخل كل مؤسسات الدولة، سببها الريع والفساد والحصانات التي تعطيها المسؤوليات العمومية. لا يمكن للرئيس الحالي، في اعتقادي، مواجهة هذه المقاومة دون جبهة داخلية قوية ودون تأييد من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، لكن الحصول على الدعم يتطلب أولا فك الضغط والحصار الممارس على الحياة العامة. لذلك فإن المسائل مرتبطة ببعضها.
توفي قايد صالح الذي كان له حضور فاعل في مرحلة ما قبل الانتخابات في بداية عهدة تبون. كيف تقرأ تأثير رحيله على المشهد؟
عندما رحل بومدين وجاء بعده الشاذلي، وقع تحول في البلاد. كل رجل سياسة يعطي صبغة للبلاد، وهذا طبيعي. أنا كنت من البداية ضد تدخل قيادة الجيش في تسيير الوضع، حفاظا على الإجماع الوطني حوله. كذلك الأمر بالنسبة للسياسة الخارجية، يجب أن يكون إجماع حولها، وأن لا تكون محل تجاذب سياسي.
هل في اعتقادك قيادة الجيش الحالية ستنسحب من المشهد السياسي؟
هناك معطى جديد اليوم، وهو وجود رئيس للجمهورية، مع عدم وجود نائب وزير دفاع. الظهور المفرط لقيادة المؤسسة العسكرية، لا أعتقد أنه يخدم دور الجيش، خاصة في هذه الظروف التي تعيش فيها البلاد مخاطر غير مسبوقة على الحدود.
تتحدث في إجاباتك عن الحوار كثيرا. كيف تتصور شكل هذا الحوار وطريقة تنظيمه؟
المرة الوحيدة التي كان فيها حوار في الجزائر كان في عهد الرئيس زروال. يمكن لرئيس الجمهورية أن يقابل كل القوى الموجودة على حدة ويستمع إلى مقترحاتها، وبذلك يكون هو المحرك لديناميكية الحوار. وسيعطي بذلك شعورا للجزائريين بأنه يعمل على التوافق. هناك إجماع على فتح حوار للخروج من الانسداد السياسي، لأن الانتخابات أبقت الوضع على ما هو عليه. ولا يمكن الخروج من هذا الانسداد إلا إذا خلق الرئيس ديناميكية جديدة في الساحة أو واكب الديناميكية التي جاء بها الحراك والمعارضة. مطالب المعارضة هي في معظمها ذات جوهر ديمقراطي، وهو ما يجعل التوافق عليها أسهل، فالأمر لا يتعلق بعملية توزيع للريع حتى يجري الخلاف حولها، بل بالوصول إلى اتفاق على طبيعة النظام الذي يناسب الجميع.
في اعتقادك أيهما يحظى بالأولوية اليوم حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات تشريعية أم تعديل الدستور؟
حسبما فهمت، تفضل السلطة الإبقاء على البرلمان الحالي وصياغة الدستور في ظل وجوده باللجوء إلى الخبراء. سيكون هذا سابقة في تاريخ الانتقال الديمقراطي في العالم، سواء تلك التجارب التي قادها العسكر في كوريا الجنوبية أو البرتغال، أو التي قادها سياسيون في أمريكا اللاتينية. كل تجارب الانتقال الديمقراطي مرت عبر انتخاب برلمان سيادي في ظروف شفافة، ثم يستعين هذا البرلمان بخبراء لوضع دستور، وهذا ما يسمى بالبرلمان التأسيسي.
لكن ما يقوله تبون عكس ذلك تماما، فهو يطرح فكرة أن يقوم الخبراء بإعداد الدستور ثم عرضه على النقاش والاستفتاء عليه في الأخير.. ما رأيك؟
هذا ما يحتم اللجوء إلى الحوار، لأن الكل متفق على تشخيص الأزمة، لكن الآليات تبقى محل خلاف. ومن خلال الحوار يمكن التوصل إلى اتفاق حول الطريقة الأنسب لتغيير الدستور.
هل هذا هو التوقيت المناسب لبدء الحوار في رأيك؟
نعم أرى ذلك. لأن الرئيس يوجد الآن في “فترة هدنة”، يمكنه توظيفها لبدء حوار.
لكن هناك من هو رافض للحوار مع تبون؟
ما زلت فيما يخصني وفيا لروح عين البنيان التي طرحت شروط الحوار. وأعتقد أنه إذا كان الهدف هو الخروج من وضع الانسداد، فستجد أن هناك إجماعا وطنيا حول ذلك. لا أعتقد أن هناك من يرفض الحوار لو يتم اتخاذ إجراءات سياسية قوية تهيئ الظروف، خاصة من خلال فتح المجال الإعلامي، لأنه ليس معقولا أن تدعو لحوار وأنت تغلق أبواب الرأي على الآخرين في الإعلام.
هل لمست بظهور الحكومة الجديدة وجود نية للتغيير؟
هذه أول حكومة في مرحلة ما بعد بوتفليقة، ولا يمكن أن تكون مستقلة تماما عن النظام البوتفليقي. صحيح أن الدولة الجزائرية بحاجة إلى حكومة لتسيير أمور الدولة، لكنني أعتقد أن العديد من الوزارات كان يمكن أن تكون على شكل دواوين مستقلة لا تخضع للإدارة والبيروقراطية.
هل يمكن لحكومة تكنوقراط أن تساهم في حل أزمة سياسية بالأساس؟
العمل الحكومي عموما إذا كان جادا ويصب في محاربة الفساد، يمكن أن يساهم مباشرة في الحل السياسي للأزمة. السلطة يجب أن تستعمل الحكومة كآلية من آليات الحوار، لأن المواطن ينطلق في تقييمه للواقع من يومياته ويعرف بحسه إذا ما كان هنالك نية للذهاب إلى دولة قانون. الحوار في اعتقادي، لا يجب أن يبدأ عموديا بلقاء رئيس الجمهورية مع الأحزاب، ولكنه ينطلق بمصالحة الجزائريين مع الإدارة والعدالة.
ما الذي يجعل السيد رحابي يرفض تولي مسؤولية سياسية لتحقيق الأفكار التي عملت عليها مع المعارضة؟
أعتقد أن المناخ السياسي مهم في اتخاذ قرار مثل هذا، والظروف الحالية في اعتقادي غير مهيأة لممارسة السلطة.
كيف تنظر إلى مستقبل الحراك الشعبي بعد تنظيم الانتخابات الرئاسية الأخيرة؟
أتأسف كثيرا لعدم تقدير أصحاب القرار السياسي للحراك الشعبي السلمي، إذ عوضا أن يتكئوا عليه في تحقيق الإصلاحات السياسية، ضيعوا وقتهم في محاولة إضعافه وتشويهه. وفي اعتقادي، من يطعن في الحراك، كأنما طعن في النظام الديمقراطي الذي يدعو إليه. عكس ما يظنه البعض، الحراك سيتقوى في كل مرة تحاول السلطة إضعافه أو نزع المصداقية عنه أو التعتيم الإعلامي عليه. سيزداد قوة، إذا استمر غلق القاعات والفضاءات العامة في وجه من يريد ممارسة العمل السياسي. أقول إنه سيتقوى أكثر، كلما اعتقدت السلطة أن قوته في تعداده وليست في مطالبه. لا بد أن تخرج السلطة من التقييم الأمني للحراك بحساب التعداد، لأن الحراك فكرة ومطلب لن ينطفئا إلا بتحقيقهما.
كيف تقرأ تطورات الملف الليبي الأخيرة، مع دخول تركيا إلى حلبة الصراع؟
تسارع الأحداث يخلق وضعا جديدا، بحكم وجود قوة أجنبية عضو في حلف الأطلسي على حدودنا، يزيد وجودها من تعزيز الأطماع الخارجية على حدودنا. ففي شرق ليبيا، هناك تدخل لمصر وفرنسا والسعودية والإمارات، وفي غربها توجد تركيا وإيطاليا، وهذا كله يشير إلى أن حدودنا الشرقية أصبحت حلبة صراع بين مصالح إقليمية، وهو ما يزيد الأعباء الملقاة على جيشنا الذي عليه أن يبقى دائما في حالة تأهب، في ظل ظروف اقتصادية غير مريحة في الجزائر. إن إضعاف ليبيا هو إضعاف للجزائر، فالواقع الجيوسياسي الحديث أصبح لا يعترف بالحدود المادية، بمعنى أن كل ما يجري في الجوار يشكل عليك عملية ضغط مستمرة. وفي حالة الجزائر ليست ليبيا وحدها المعنية، فهناك تمركز عسكري كثيف لقوة الساحل 5 في الحدود الجنوبية، كما أن علاقتنا بالمغرب ليست جيدة هي الأخرى. هذا كله يجعل من الحل السياسي في الجزائر أكثر من ضرورة، حتى تكون الجبهة الداخلية قوية وقادرة على الصمود في وجه التحديات الخارجية.