ذكرت سفارة الجمهورية المالية في الجزائر أنها “تُعلم السلطات بقرار بلادها المتعلق بدعوة سفيرها بالجزائر بشمل فوري للتشاور”، معبرة عن شكرها للخارجية الجزائرية على التعاون. وجاء هذا الإجراء الدبلوماسي الذي قامت به مالي استكمالا لقيام الجزائر باستدعاء السفير المالي يوم الخميس الماضي، عملا بمبدأ المعاملة بالمثل، ردا على استدعاء وزير الخارجية المالي للسفير الجزائري لدى باماكو، وإبلاغه احتجاج سلطات بلاده على ما أسماه “أعمال غير ودية من قبل الجزائر”، على خلفية استقبالها أحد المرجعيات الدينية المؤثرة في الشارع المالي.
ويندرج استدعاء باماكو سفيرها “فورا للتشاور” في إطار إجراء دبلوماسي منتظر يلي استدعاءه من قبل الخارجية الجزائرية، وذلك لتوضيح ما دار في اللقاء، علما أن مراقبين يستبعدون استمرار هذا التوتر بين البلدين، فضلا عن تطوره أو ديمومته، انطلاقا من “الثقة القائمة بين البلدين”، على حد وصف السلطات المالية، وغيرها من الاعتبارات الميدانية والدبلوماسية والتاريخية، يضيف المراقبون.
وكانت وزارة الشؤون الخارجية قد تفاعلت بسرعة مع استدعاء وزير الشؤون الخارجية المالي عبد الله ديوب، الأربعاء، سفير الجزائر لدى باماكو الحواس رياش، “إثر الأعمال غير الودية الأخيرة”، بحسب ما ورد في بيان عن الخارجية المالية، كرد فعل احتجاجي على استقبال الجزائر إمام الطريقة الكنتية محمود ديكو، أحد المرجعيات الدينية المؤثرة في الشارع المالي، الذي تصنفه السلطات الانتقالية في باماكو من بين “الأشخاص المعروفين بعدائهم للحكومة المالية”.
وقدم عطاف للسفير المالي منطلقات ومبادئ الجزائر في تعاطيها مع المسألة المالية، و “ذكّره بقوة بأن كافة المساهمات التاريخية للجزائر في تعزيز السلم والأمن والاستقرار في جمهورية مالي كانت مبنية بصفة دائمة على ثلاثة مبادئ أساسية لم تحد ولن تحيد عنها بلادنا”، في مقدمتها “تمسك الجزائر الراسخ بسيادة جمهورية مالي وبوحدتها الوطنية وسلامة أراضيها”، ثم قناعة الجزائر العميقة بأن السبل السلمية دون سواها هي وحدها الكفيلة بضمان السلم والأمن والاستقرار في جمهورية مالي بشكل ثابت ودائم ومستدام”.
ونتيجة للمبدأين الأولين، يضيف البيان، “فإن المصالحة الوطنية، وليس الانقسامات والشقاقات المتكررة بين الإخوة الأشقاء، تظل الوسيلة المثلى التي من شأنها تمكين دولة مالي من الانخراط في مسار شامل وجامع لكافة أبنائها دون أي تمييز أو تفضيل أو إقصاء، مسار المصالحة الوطنية الذي يضمن في نهاية المطاف ترسيخ سيادة جمهورية مالي ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها”.
وفي نفس السياق، أكد الوزير لسفير جمهورية مالي أن الاجتماعات الأخيرة التي جرت مع قادة الحركات الموقعة على اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر، تتوافق تماما مع نص وروح هذا البيان، معربا عن أمله في أن تنضم الحكومة المالية، التي جددت تمسكها بتنفيذ هذا الاتفاق، إلى الجهود التي تبذلها الجزائر حاليا بهدف إضفاء حركية جديدة على هذا المسار.
ويأتي التوتر الدبلوماسي بين البلدين، المتوقع أن يكون “عابرا”، في سياق استثنائي يتميز بانهيار عملية السلام التي كانت قائمة منذ 10 سنوات، والسقوط مجددا في مستنقع العنف بين قوات السلطة الانتقالية وحركات الأزواد في شمال مالي، وسط دعوات دولية وإقليمية ومحلية بضرورة الالتزام ببنود اتفاق الجزائر، بوصفه الوثيقة الوحيدة الحالية لضمان السلم في البلد.
وعلى صعيد ميداني، قامت القوات الحكومية بتوجيه ضربات جوية لعربة على متنها قادة وشخصيات معروفة على الصعيد المحلي، كانت في أقصى شمال مالي، وبالتحديد في منطقة تين زواتين المالية، على مقربة من الحدود الجزائرية.
وذكرت تقارير ومصادر على اطلاع بالحركة أن الضربات الجوية عن طريق طائرة دون طيار استهدفت شخصية قيادية في الشمال المالي، ويتعلق الأمر بالعقيد حسن واغاغا، رئيس السلطة الانتقالية بمدينة كيدال، بمعية مرافقين له.
وأظهرت مقاطع فيديو اشتعال مركبة شبه عسكرية على متنها قاذفات في منطقة شبه صحراوية، وذكر ملاحظون أن العملية تعد سابقة من نوعها منذ عودة النزاع المسلح بين قوات الحكومة المؤتمرة بأوامر السلطة الانتقالية بقيادة العقيد عاصيمي غويتا بمعية مقاتلي “فاغنر”، من جهة، وحركات الأزواد من جهة أخرى.
وترى الجزائر أن العودة للالتزام ببنود اتفاق السلم والمصالحة هو الضامن لتحقيق السلم في المنطقة، ثم العودة إلى طاولة الحوار بين الفرقاء.
وتم اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر سنة 2015 برعاية دولية تقودها الجزائر، ويرى مراقبون أن عدم الالتزام ببنود الاتفاق يتسبب في انهيار عملية السلام، بما ينتج عنه من تداعيات ونتائج ومسؤوليات.