توج لقاء القمة الذي جمع الرئيس عبد المجيد تبون ونظيره الصيني شي جين بينغ، بقصر الشعب في العاصمة الصينية بكين، ببيان مشترك رسم خريطة طريق لمرحلة جديدة من التعاون والشراكة الاستراتيجية بين الجزائر وبكين، وذلك في إطار زيارة دولة التي يقوم بها تبون إلى الصين (17-21 جويلية الجاري).
جاء في البيان أن الرئيسين استعرضا العلاقات التاريخية الراسخة بين البلدين، وأشادا بمستوى التعاون والتنسيق بينهما على جميع الأصعدة. كما بحثا سبل تطوير وتنمية العلاقات في كافة المجالات، بما يعزز ويحقق المصالح المشتركة.
وتبادل تبون وجين بينغ وجهات النظر حول القضايا الثنائية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المُشترك، معربين عن تقديرهما للتعاون المُثمر بين الجانبين على المُستوى الثنائي وفي المحافل الدولية، وأهمية توقيت هذه الزيارة التي تزامنت مع احتفال الدولتين هذه السنة بالذكرى 65 لإقامة علاقاتهما الدبلوماسية.
وأعرب الجانب الصيني عن تقديره للإنجازات الكبيرة التي حققتها الجزائر في مجال التنمية الوطنية، في إطار رؤية الجزائر الجديدة للرئيس عبد المجيد تبون، متمنيا أن يحقق الشعب الجزائري الهدف لبناء دولة مزدهرة وغنية وقوية قريبا.
وعلى ضوء تطور العلاقات بين البلدين والرغبة في تعزيزها مُستقبلا، قرر الرئيسان مواصلة تكثيف التشاور السياسي على جميع المستويات، وتطوير التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والأمنية والدفاعية، وتعميق علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، ويسعى الجانبان من خلال ذلك إلى تعزيز أكبر للمصالح المُشتركة وتقوية الدعم المُتبادل لتجاوز الصعوبات الناجمة عن مُختلف الأزمات والتحديات المُتتالية التي يتعرض لها العالم.
وبشأن التعاون السياسي والأمني، أكد الجانبان على أهمية توثيق التعاون بينهما في هذا المجال، وعزمهما على تكثيف التواصل والتعاون على مختلف المستويات الحكومية والتشريعية، بهدف تحقيق المصالح المشتركة لشعبي البلدين.
وأشاد الجانبان بتطور حجم علاقتهما الاقتصادية والتجارية، كما أكدا عزمهما على تعميق الشراكة الاقتصادية وتعزيز التعاون العملي بينهما في كافة المجالات، والعمل على زيادة حجم التبادل التجاري وتسهيل صادرات الجزائر غير النفطية إلى الصين، وزيادة حجم الاستثمارات النوعية الصينية بين البلدين في ظل الامتيازات المتعددة التي يقدمها قانون الاستثمار الجديد بالجزائر، واتفقا على تعزيز العمل للاستفادة من الفرص التجارية والاستثمارية المتاحة، وتكثيف التواصل والزيارات بين القطاعين العام والخاص في البلدين، وتضافر الجهود لخلق بيئة استثمارية خصبة ومحفزة وملائمة وداعمة، وتعزيز الاقتصاد والتجارة والاستثمار وتوطيد الشراكات، وفتح آفاق أوسع للتعاون الاقتصادي بين البلدين في مختلف المجالات، وتقوية التعاون العلمي والأكاديمي، ودعم المؤسسات الثقافية الصينية والجزائرية للتعاون في إقامة “سلسلة من الفعاليات الثقافية للاحتفال بالذكرى 65 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والجزائر”، فضلا عن مواصلة توسيع التواصل بين الأفراد وتوطيد علاقات الصداقة الجزائرية الصينية على المستوى الشعبي في مختلف المجالات الثقافية والرياضية والسياحية والإعلامية، وذلك في إطار رؤية الجزائر الجديدة، ومبادرة “الحزام والطريق”، وعبر تعميق التعاون في العديد من المجالات، بما في ذلك صناعة السيارات وعلوم الفضاء والفلاحة والثقافة والسياحة وبناء الموانئ والخدمات اللوجستية وتحلية المياه والبنى التحتية والصناعات التحويلية والتعدين والقطاع المالي والاقتصاد الرقمي والطاقة والمناجم والتعليم والبحث العلمي وتدريس اللغة الصينية والإعلام والإدارة الضريبية والجمارك ومكافحة الفساد.
كما أشاد الجانبان بالدعم المتبادل والتعاون فيما بينهما في إطار مكافحة جائحة كورونا، مثمنين الشراكة القائمة بين البلدين في مجال إنتاج اللقاحات، وأعرب الرئيسان عن عزمهما على تعزيز التعاون في مجال الصحة، الذي يعود إلى سنة 1963 تاريخ إرسال الصين إلى الجزائر أول بعثة طبية خارج ترابها.
من جهة أخرى، جدّد الرئيسان تأكيدهما على تكثيف التشاور والتنسيق حول القضايا الدولية والمتعددة الأطراف، وعلى مواصلة الدعم الثابت لمصالحهما الجوهرية، ومساندة كل جانب للجانب الآخر في الحفاظ على سيادته وسلامة أراضيه، وبذل جهود مشتركة في الدفاع عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وغيره من قواعد القانون الدولي والمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية، واحترام مبدأ حسن الجوار، ومواصلة تعزيز الديمقراطية في العلاقات الدولية، فضلا عن حل النزاعات عبر الحوار وبالطرق السلمية، والتأكيد على ضرورة الحفاظ على المنظومة الدولية التي تمثل الأمم المتحدة مركزا لها، والنظام الدولي القائم على القانون الدولي والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية القائمة على مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، والتمسك بتعددية الأطراف، وتعزيز مبادئ التعاون والتضامن والعدالة والإنصاف في العلاقات الدولية، والحفاظ على مصالح الدول النامية والدفاع عن حقوقها.
وأكد الجانب الجزائري مجددًا على الالتزام بمبدأ الصين الواحدة، وعلى أن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، ومعارضة “استقلال تايوان” بأي شكل من الأشكال، ودعم الموقف الصيني في المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان وشينجيانغ وهونغ كونغ والتبت وغيرها، ومعارضة محاولات تسييس قضية حقوق الإنسان أو استعمالها كوسيلة ضغط في العلاقات الدولية.
ومن جهته، أعرب الجانب الصيني عن دعمه لجهود الجزائر الرامية إلى صيانة أمنها القومي واستقرارها، ومشيدا بالنهج التنموي الذي تبنته لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة.
ومما جاء في البيان المشترك، إطلاع الجانب الجزائري مجددا الجانب الصيني بالخطوات التي قام بها لطلب انضمام الجزائر إلى مجموعة “بريكس”، والدوافع التي تكمن وراء هذا المسعى، لا سيما التحولات الجوهرية التي يعرفها الاقتصاد الجزائري وتطلعاته لمواكبة التطورات الراهنة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، حيث أكد البيان ترحيب الجانب الصيني برغبة الجزائر الإيجابية في الانضمام إلى هذه المجموعة، ودعم جهودها الرامية لتحقيق هذا الهدف.
ورحّب الجانبان بانعقاد القمة العربية الصينية الأولى في مدينة الرياض يوم 9 ديسمبر 2022، وأشادا بنتائجها خاصة في ظل الأوضاع الدولية الراهنة، وأكدا دعمهما لمبادرة “العمل بكل الجهود على بناء المجتمع العربي الصيني للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد”، وأشادا بالدور الهام لمنتدى التعاون العربي الصيني في تعزيز التعاون الجماعي بين الصين والدول العربية، وأعربا عن استعدادهما للمشاركة في تدعيم المنتدى وتطويره.
دعم القضية الفلسطينية
في نفس السياق، أعرب الجانب الصيني عن تأييده لدور الجزائر البنّاء والهام على الساحتين الإقليمية والدولية، ومن جانبه عبّر الجانب الجزائري عن تقديره للمبادرات والأفكار التي طرحتها الصين والجهود الإيجابية التي بذلتها في سبيل إيجاد حل عادل ودائم للقضايا في الشرق الأوسط، وأكد الجانبان أن الوضع في هذه المنطقة مرتبط بالأمن والاستقرار في العالم، وأن الدفع نحو تحقيق السلام والازدهار فيها يتوافق مع المصلحة المشتركة للمجتمع الدولي، وأكد الجانبان على ضرورة حل القضية الفلسطينية وفقا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي تكرّس حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط في ظل الاحترام المتبادل والالتزام بالمبادئ القائمة على العدل والإنصاف، وأكدا دعمهما لمساعي دولة فلسطين للحصول على العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتحدة والمنظمات ذات الصلة.
كما ثمّن الجانب الصيني الجهود الحثيثة التي بذلها الرئيس تبون من أجل لمّ شمل الفصائل الفلسطينية وتحقيق المصالحة والوحدة الفلسطينية، والتي توجت بصدور إعلان الجزائر.
وأجمع الجانبان على ضرورة العمل على إيجاد حلول سياسية وسلمية للقضايا الساخنة وللأزمات الأخرى بالمنطقة العربية، خاصة في كل من سوريا وليبيا واليمن والسودان، وذلك عبر الحوار والتشاور على أساس احترام سيادة دول المنطقة واستقلالها وسلامة أراضيها، والتأكيد على رفض التدخلات الأجنبية، وضرورة العمل المشترك على مواجهة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي تنشط على أراضيها، ودعم الجهود التي يبذلها لبنان والصومال والسودان لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار ومكافحة الإرهاب، ودعم جهود الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في هذا الشأن، وتأكيد الجانب الصيني على دعمه للدول العربية لحل القضايا الأمنية في المنطقة عن طريق التضامن والتعاون.
وفي هذا السياق، ثمّن الجانب الجزائري جهود الوساطة الحميدة التي أشرفت عليها الصين بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية، والتي كُللت بالتوصل إلى الاتفاق في بكين يوم 10 مارس الماضي، والتوقيع على بيان مشترك بالعاصمة الصينية يوم 6 أبريل الماضي للإعلان عن استئناف العلاقات بين البلدين وولوجهما عهدا جديدا من التوافق والتعاون والسلام.
وأكد الجانبان على أهمية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إفريقيا والصين ودعم جهود دول القارة الرامية لتحقيق أهدافها التنموية المشتركة وفقا لأجندة 2063، وإنهاء الأزمات التي تهدد السلم والأمن والاستقرار في القارة الإفريقية بالاحتكام للمبادئ الأساسية المتضمنة في الميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي، والسعي لبلورة حلول إفريقية للمشاكل الإفريقية.
وفي نفس الاتجاه، أشاد الجانب الصيني بالدور المهم للجزائر في دعم الاستقرار والتنمية وإرساء الأمن والسلم في إفريقيا، وذلك من خلال مساعيها الحثيثة للتسوية السلمية للأزمات، خاصة في كل من ليبيا ومالي ومنطقة الساحل والصحراء، بالإضافة لالتزامها الدءوب وجهودها الكبيرة في إطار تنفيذ عهدتها كمنسّق الاتحاد الإفريقي للوقاية من الإرهاب والتطرف العنيف، ومكافحة امتداد هذه الآفة الخطيرة في أرجاء القارة، مع الحرص على نقل التجربة الجزائرية الناجحة في دحر الإرهاب.
كما ثمّن الجانب الصيني إسهامات الجزائر في تحقيق أجندة 2063، خاصة في مجال الاندماج الاقتصادي عبر مشاريع هيكلية وتنموية ضخمة ذات البعد الإفريقي مع دول القارة، وكذا جهودها في مجال تفعيل منطقة التجارة الحرة التي من شأنها ترقية المبادلات التجارية بين البلدان الإفريقية، إلى جانب الأثر الإيجابي للجانب الجزائري في تمويل مشاريع تنموية في الدول الإفريقية، لا سيما المشاريع ذات الطابع الاندماجي في المجالات الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، الدينية والعلمية.
وفيما يتعلق بالوضع في أوكرانيا، دعا الجانبان إلى تسوية الخلافات بالوسائل السلمية عبر الحوار والتفاوض والتمسك بالقانون الدولي المعترف به وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وأنه لا يجوز تحقيق الأمن لدولة ما على حساب الدول الأخرى، وضرورة الاهتمام بالانشغالات الأمنية المعقولة للدول المعنية وحلها بشكل ملائم، وعدم استعمال العقوبات الأحادية الجانب وغيرها من الإجراءات القسرية، تفاديا لانتهاك القانون الدولي والمساس بالظروف المعيشية لشعوب الدول المعنية، وضرورة التخفيف من حدّة الانعكاسات الإنسانية التي قد تنجم عنها، وبذل كل الجهود لخفض التصعيد بما يسهم في إيجاد حل سلمي لهذه الأزمة.