خلّف التعديل الحكومي، صدمة لدى كوادر في حزب جبهة التحرير الوطني، بمن فيهم برلمانيون توقّعوا أن يكونوا ضمن الصورة الجماعية للجهاز التنفيذي الجديد.
وخرجت جبهة التحرير الوطني بصفر حقائب في التعديل الحكومي الأخير لأول مرة منذ عقود (يتحدث البعض عن حالة فريدة منذ الاستقلال)، حيث خسر الحزب العتيد مقاعدها الثلاثة في الحكومة، فيما سلّطت عقوبة قاسية على حوالي ثلاثين من كوادرها، بمن فيهم برلمانيين سابقين من قبل مجلس قضاء (أحكام بالحبس أربعة أشهر مع وقف التنفيذ) فيما يعرف بقضية “اقتحام مقر الحزب”.
واستفيد في هذا السياق، أن أربعة أعضاء في اللجنة المركزية فقط من قائمة المتابعين، حصلوا على البراءة، بينما كانت الأغلبية من المتابعين تمنّي نفسها بالحصول على إخلاء سبيل في نزاع يرونه سياسي يتطلب حلا سياسيا.
وشكّل الإبقاء على الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمن في منصبه، رسالة إضافية لتيار في الأفالان دعا إلى رحيله في أواخر 2022 بمناسبة مناقشة قانون المالية.
وتابع الأفالانيون بحسرة ترقية الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، الطيب زيتوني (يملك حزبه مقاعد أقل بكثير مقارنة بحزب جبهة التحرير الوطني في البرلمان)، لشغل منصب وزارة حساسة (التجارة) دون أن يحظى بها إطارات الأفالان صاحب الأغلبية النيابية.
وتوبع التعديل الحكومي بإلغاء نشاط سياسي كبير للحزب بوهران كان يعتزم القيام به في سياق عملية استرجاع المبادرة في الساحة وقيام قواعده بتحضير اللقاء.
ويحاول كوادر “الأفالان” تحليل وقراءة الرسائل المباشرة التي حملتها رياح التعديل الحكومي، ومنها تسريح ممثلي الحزب في الحكومة والاعتماد على خدمات غريم سياسي (أي الطيب زيتوني) لمنصب في وزارة سيادية ومواصلة حظر النشاطات العامة، من تجمعات وتعطيل رخصة تنظيم المؤتمر رغم الجاهزية التنظيمية والمالية.
وامتلأت صفحات التيار المعارض للقيادة الحالية، بالترحيب بقرار عدم الاعتماد على أية أعضاء من كوادر من الحزب في إدارة الفترة المقبلة من الحكومة، معتبرين أن الخطوة تعدّ اهتزاز الثقة من القيادة الحالية، وهي قراءة جزئية، إذ أن ليس كل وزراء الأفالان موالون للقيادة الحالية، زيادة أن الخاسر في المرحلة الحالية هو حزب الأغلبية البرلمانية ككل.
ورغم تأكيدهم أن التعيين والإقالة من الحكومة، من الصلاحيات الحصرية لرئيس الجمهورية، ربط كوادر في الحزب بين العقوبة الجماعية التي تعرضت لها الأفالان واستمرار الانقسامات في الحزب، حيث أصبح الوضع المتراكم في العامين الأخيرين، مثار قلق وغضب على مستويات سياسية عليا وخصوصا منذ تسلل عدوى الصدام إلى المؤسسة التشريعية عبر نواب الحزب وغرق القوة البرلمانية الأولى في عمليات تخندق واستقطاب تعيد إلى الأذهان الأجواء التي عاشها البرلمان في عهد سابق بشكل يعطّل العمل التشريعي.
ويخشى كوادر في الحزب أن تكون القرارات الأخيرة بالاستغناء عن خدمات الأفالان عاكسة لتوجه جديد يحمل مراجعة عميقة في الدولة لموقعه مثلما جرى في فترة التسعينات من القرن الماضي.
وفي تدوينة له بمناسبة استذكار يوم النصر 19 مارس، دعا نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني وعضو اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، ناصر بطيش، إلى ضرورة تمتين الجبهة الداخلية وإعلاء المشترك بين مختلف الأطراف والفعاليات التي تتقاسم الانتماء إلى المجموعة الوطنية.
وبشأن الوضع المتأزم الذي يعيشه “الأفالان”، ذكر بطيش أن مسعى تمتين الصف الداخلي ولمّ الشمل، ليس ترفا من القول أو تغزّلا بهذه الشعارات الرنانة، بل يجب أن يكون ثقافة سياسية وسلوكا اجتماعيا نابعا من الحرص على تمتين البناء الداخلي، أحزابا ومؤسسات وجمعيات وغيرها.
وفي تعليقه عن حالة الانقسام والتشردم داخل الكيان السياسي، قال بأنه لا يسرّ أبناءه ومناضليه ولا عموم الجزائريين الذين يمثّل لهم “الأفالان” قيمة رمزية عظيمة، رغم الإساءات والتشوّه الذي لحقه على يد بعض قيادييه وأبنائه في فترات تاريخية متباينة.
ومن موقعه في المؤسسة التشريعية، شدّد على أن مسعى لمّ الشمل داخل حزب جبهة التحرير الوطني، يجب أن يتجسد فعلا، مثلما يجب أن يشعر جميع أبناء وبنات الحزب بأنهم “أصحاب الدار” وليسوا موظفين أو “طالبي نضال” لدى أي كان.
وأبرز البرلماني الأفالاني “الهوان الذي يعيشه الحزب والإخفاق في تحقيق تطلعات المناضلين ليس انتصارا لطرف على آخر”.
لافتا في ذات السياق إلى “أن المناضلين العقائديين يعرفون جيدا من أوصل حزبنا إلى هذا الوضع”.
وأمام هذه الوضعية، جدّد بطيش دعوته للأفالانيين، إلى ضرورة تصحيح الوضع، من خلال “إصلاح البيت ولمّ شمل أبنائه”.
مشيرا أن “التحديات والاستحقاقات القادمة تتطلب إصلاحا عاجلا ومصالحة فعلية وتصويبا لمسار حزبنا حتى لا يظل رقما غير فاعل وكيانا غير مؤثر، في معادلة الأحداث مستقبلا.
