قدّم الدبلوماسي والوزير السابق، عبد العزيز رحابي، تصورّه للتعديلات الواجب إضفاؤها على مسودة الدستور بعد عرضه السياق العام الذي انطلق فيه هذا المسار، وأشار إلى ضرورة توجيه النقاش صوب القضايا المؤسساتية التي تحكم حياة الأمة، وعدم الغرق في قضايا الهوية التي فصل فيها، حسبه، الآباء المؤسسون للدولة.
يمزج رحابي في الورقة التي سلمها لرئاسة الجمهورية بين مسألة إرسال قوات للخارج وبين فعالية الدبلوماسية الجزائرية في الخارج، ويعتبر الأمر متكاملا. ويدافع الوزير السابق عن فكرة أن العقيدة العسكرية يمكنها أن تتطور وفقا لحلقات طويلة الأمد، ترتكز دوافعها على الأمن الوطني أساسا، ويشير إلى أن الجيوسياسة أصبحت تفرض نفسها بلا هوادة على الدول كتمثيل لعلاقات القوة.
ولتوضيح موقفه، يقترح رحابي إعادة صياغة كلية للمادتين 30 و31 من الدستور، اللتين تتعلقان بمهام الجيش الوطني الشعبي وإمكانية تكلفيه بمهام خارج الوطن. واللافت في الصياغة الجديدة التي يقترحها رحابي، إضافة مهمة حماية النظام الدستوري للجيش، وهو ما لم يرد في مسودة الدستور. وجاءت المادة المقترحة كما يلي: “تتمثل مهمة القوات المسلحة الجزائرية، مكونة من القوات البرية والبحرية والجوية، في ضمان سيادة واستقلال الجزائر والدفاع عن سلامتها الترابية ونظامها الدستوري. وتضطلع بمهمة حماية مجالها البري والجوي ومختلف مناطق أملاكها البحرية. الجيش الوطني الشعبي ينظم ويرسخ ويطور القدرات الدفاعية للأمة”.
واحتفظ السياسي المعارض زمن الرئيس السابق، بنفس صياغة المادة 31 مع تعديل بسيط، وهي المادة التي تشير إلى إمكانية مشاركة الجزائر في عمليات حفظ واستعادة السلام في إطار منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.
ومن أكثر ما يبرز في ورقة رحابي، دفاعه المستميت عن ضرورة تغيير تسمية الجزائر وتخليصها مما يعتبرها حمولة إيديولوجية عفا عنها الزمن. ويقترح بالمقابل، تسمية “الجزائر” أو “الجمهورية الجزائرية”، كعنوان جديد للدولة الجزائرية.
ويجد رحابي في مبرراته سندا تاريخيا، فأول حكومة عرفتها الجزائر، كما يقول، كانت “الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية” سنة 1958، والتي اعترفت بها أكثر من ثلاثين دولة صديقة، ومثلت الجزائر رسميا على الساحة الدولية وتفاوضت ثم أمضت اتفاقية إيفيان باسم الشعب الجزائري.
ولم تعرف إضافة “الديمقراطية الشعبية” طريقها إلى تسمية الجزائر، سوى سنة بعد الاستقلال في دستور 1 جويلية 1963، وذلك لأسباب داخلية واضحة ناتجة عن توازن القوى آنذاك، لكن مع انهيار الكتلة الشيوعية وتراجع الأنظمة الديكتاتورية، يقول السفير السابق، إن 50 دولة غيّرت تسميتها واختارت العودة إلى الاسم الأصلي للبلاد.
ومن أهم ما يطرحه مدير ندوة مازافران الثانية عدا موضوع التسمية، اقتراح أن تدوم العهدة الرئاسية ست سنوات، وأن تكون واحدة عوض نظام العهدتين الحالي. ويبني الوزير السابق فكرته على عدة أسباب، من بينها أن إعادة انتخاب الرئيس يترتب عليها تشجيع الفساد والمحسوبية وتعزيز السلطة الشخصية والانحراف النرجسي والترتيبات المشبوهة، وهو وضع لا يشجع، حسبه، على إطلاق الإصلاحات الحقيقية.
وفي المواضيع المتعلقة بالفصل بين السلطات، يرافع رحابي من أجل اعتبار المجلس الأعلى للقضاء سلطة قائمة بذاتها، لا تعتبر امتدادا لا للسلطة التنفيذية أو نقابة القضاة، بينما يطالب صراحة بإلغاء مجلس الأمة، أحد جناحي السلطة التشريعية، كونه يستهلك ميزانية ضخمة وغير ضرورية، فضلا على كون الحاجة الظرفية التي أوجدته في سنوات الأزمة الأمنية والسياسية، قد انتفت.
أما بشأن البند المثير للجدل المتعلق بإنشاء منصب نائب الرئيس، فيتخذ رحابي موقفا وسطا، فهو لا يمانع في أن يعين رئيس الجمهورية نائبا له إذا ما رأى ذلك ضروريا، وهو افتراض يقول إنه حاضر في الجزائر منذ سنة 1963، رغم أن الجزائر لم تعرف تعيين نائب رئيس في السابق، لكن صاحب الوثيقة يرفض بشدة فكرة أن يكون هذا النائب خليفة لرئيس الجمهورية خارج صناديق الاقتراع، لأن ذلك “يفقد مصداقية هيكل النص برمته ويقلل من مساهمته في الإصلاح المنشود للنظام السياسي”.
ومن بين أفكار الوثيقة المتعلقة بشخص الرئيس، اقتراح أن يكون الرؤساء السابقون أعضاء مدى الحياة في المحكمة الدستورية، دون أن يكون من حقهم رئاسة المحكمة أو تولي منصب بها. وبذلك، سيكون بإمكانهم، حسب رحابي، منح المحكمة اعتبارا أكبر مرتبطا بمرتبتهم وخبرتهم في ممارسة توازن السلطات، كما أنهم سيظلون في خدمة الدولة.